ثم رأيت وعرفت خلقا كثيرا وجما غفيرا زعموا أن أعقل العباد وأفضل أهل الإصدار والإيراد وهو محمد رسول سلطان المعاد صلوات الله عليه كان أعظم الناس على أمته شفقة وعرفهم (١) أنهم يفترقون بعده ثلاثا وسبعين فرقة متمزقة (٢) ويهلك منهم اثنتان وسبعون فرقة ولا ينجو منهم إلا فرقة واحدة محقة ومع هذا فذكروا أن عقولهم قد قبلت أنه ما عين لهم عليا وصيا يرجعون إليه بعد وفاته وعند اختلافهم وافتراقهم الذي قد علم به في حياته ولا قال لهم اختاروا أنتم من تريدون وأنه تركهم يختلفون ويقتل بعضهم بعضا على شبهات الاختلاف والتأويلات وكلهم يقولون إنه لو عين لهم عليا وصيا بعده أو قال لهم اختاروا ما كانوا خالفوا قوله ولا افترقوا ولا حصلوا في الهلكات فلا مثل قولهم وهو الحق إنه أعظم الأنبياء عليهم شفقة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ولا مثل قولهم إنه لو أوصى إلى وصي أو قال اختاروا أنتم ما كانوا مختلفين ولا مثل قولهم الذي ما تقبله العقول إنه أهملهم ولم يعين لهم على من يقوم مقامه وتركهم هالكين فهل بقي للعاقل عيارا واعتبارا بعقول هذا القبيل وهم أكثر الخلائق أو أن يقال له فلان أو فلان مخالف لك في المعقول أو موافق وإنما بقي الاعتبار والعيار في المعقولات على ما وهب الله جل جلاله للعبد المكلف من العقل فهو الحجة عليه وله فيما طريقة العقل ولو خالفه في ذلك من عدا المعصومين من أهل المقالات.
وأما التكاليف النقلية فوجدت العقل قد دل على أن المرجع فيها إلى الرسول صلىاللهعليهوآله وإلى من يجري مجراه في عصمته وكماله وإن خالف في ذلك من عداهما من كل عبد موجود أو مفقود فهل ترى للكثرة أثرا من المادحين أو اللائمين إذا كانوا غير محقين وهل للعبد تفرغ وقت
__________________
(١) في « م » : وعرف.
(٢) ليس في « د ».