جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله.
قالوا : قد رضينا بذلك.
فخرجوا ، واتّفق رأيهم على أنّ يحيى بن أكثم يسأله مسألة ـ وهو قاضي الزمان ـ فأجابهم المأمون إلى ذلك.
واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه ، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست (١) ، ويجعل له فيه مسورتان ، ففعل ذلك ، وخرج أبو جعفر ـ وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر ـ فجلس بين المسورتين ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام الناس في مراتبهم ، والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر عليهالسلام ، فقال يحيى بن أكثم للمأمون : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟
فقال : استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى وقال : أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال : « سل إن شئت ».
فقال : ما تقول ـ جعلت فداك ـ في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام : « في حلّ أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرّا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا كان بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم كبارها؟ مصرّا كان على ما فعل أم نادما؟ ليلا كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما؟ ».
فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ، وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره ، فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة
__________________
(١) دست : كلمة معرّبة ، ويراد بها جانب من البيت.