إليك ـ قد علّم الحكم والفهم ، وله السخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم ، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ ، وفيه آخر خير من هذا كلّه ».
فقال له أبي : وما هي؟
فقال : « يخرج الله منه غوث هذه الأمّة وغياثها وعلمها ونورها ، خير مولود وخير ناشئ ، يحقن الله به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلمّ به الشعث ، ويشعب (١) به الصدع (٢) ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤمن به الخائف ، وينزل الله به القطر ، ويرحم به العباد ، خير كهل ، وخير ناشئ ، قوله حكم ، وصمته علم ، يبيّن للناس ما يختلفون فيه ، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه ».
فقال له أبي : بأبي أنت وامّي ، هل يكون له ولد بعده؟
فقال : « نعم » ثمّ قطع الكلام.
قال يزيد : فقلت له : بأبي أنت وامّي ، فأخبرني بمثل ما أخبرنا به أبوك فقال لي : « نعم ، إنّ أبي عليهالسلام كان في زمان ليس هذا الزمان مثله ».
فقلت له : من يرضى بهذا منك فعليه لعنة الله.
قال : فضحك أبو إبراهيم عليهالسلام ثمّ قال : « اخبرك يا أبا عمارة ، إنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن وأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم لحبّي إيّاه ورأفتي عليه ، ولكن ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء ، ولقد جاءني بخبره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ أرانيه وأراني من يكون بعده ، وكذلك
__________________
(١) يشعب : يجمع. « انظر : الصحاح ـ شعب ـ ١ : ١٥٦ ».
(٢) الصدع : الشق. « الصحاح ـ صدع ـ ٣ : ١٢٤١ ».