وهذه الآية كما ترى قريبة الانطباق على قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا » الفتح ـ ٤ ، فالسكينة في هذه الآية تنطبق على الروح في الآية السابقة وازدياد الايمان على الايمان في هذه على كتابة الايمان في تلك ، ويؤيد هذا التطبيق قوله تعالى في ذيل الآية : ولله جنود السموات والارض ، فإِن القرآن يطلق الجند على مثل الملائكة والروح .
ويقرب من هذه الآية سياقاً قوله تعالى : « فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا » الفتح ـ ٢٦ ، وكذا قوله تعالى : « أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا » التوبة ـ ٤٠ .
وقد ظهر مما مرّ انه يمكن ان يستفاد من كلامه تعالى ان السكينة روح إِلهي او تستلزم روحاً إِلهياً من امر الله تعالى يوجب سكينة القلب واستقرار النفس وربط الجأش ، ومن المعلوم ان ذلك لا يوجب خروج الكلام عن معناه الظاهر واستعمال السكينة التي هي بمعنى سكون القلب وعدم اضطرابه في الروح الالهي ، وبهذا المعنى ينبغي أن يوجه ما سيأتي من الروايات .
قوله تعالى : وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة « الخ » آل الرجل خاصته من اهله ويدخل فيهم نفسه إِذا اطلق ، فآل موسى وآل هرون هم موسى وهرون وخاصتهما من اهلهما ، وقوله : تحمله الملائكة ، حال عن التابوت ، وفي قوله تعالى : ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين ، كسياق صدر الآية دلالة على أنهم سألوا نبيهم آية على صدق ما أخبرّ به : ان الله قد بعث لكم طالوت ملكاً .
قوله تعالى : فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر الى قوله منهم ، الفصل هىهنا مفارقة المكان كما في قوله تعالى : « وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ » يوسف ـ ٩٤ ، وربما استعمل بمعنى القطع وهو إِيجاد المفارقة بين الشيئين كما قال تعالى : « وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ » الانعام ـ ٥٧ ، فالكلمة مما يتعدى ولا يتعدى .
والجند المجتمع الغليظ من كل شيء وسمي
العسكر جنداً لتراكم الاشخاص فيه وغلظتهم ، وفي جمع الجند في الكلام دلالة على أنهم كانوا من الكثرة على حد يعتنى
به