( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (١). ويومئ إلى ذلك بقوله : « ولا تحدّ » أي لا تقف عند حدّ ، بل منها ما هو دائم ، ومنها ما هو مترادف ، ومنها ما هو متواتر ؛ وليس المقصود نفي الحدّ عنها في عرف المنطق ، وهو المشتمل على الجنس والفصل فإنّ كثيرا من النعوت يحدّ بهذا المعنى.
قوله : ( فمنها : خلق الخلق من سماء وأرض وملك وفلك ).
أقول : أمّا وجه أنّ السماء نعمة فكون الرزق والجنّة فيها ؛ لقوله تعالى : ( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) (٢) ؛ ولأنّها مقرّ النجوم التي يهتدى بها ، قال الله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٣). ومحلّ الشمس المدبّرة للزروع والمنتفع بها في كثير من الأمور.
وأمّا أنّ الأرض نعمة فظاهر ؛ إذ عليها مستقرّنا وبناء بيوتنا الواقية لنا من الحرّ والبرد ، وهي منبت معظم أرزاقنا وسبب في سائرها ، وفيها ستر موتانا.
فقد روى ابن بابويه عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عن عليّ بن الحسين عليهمالسلام في قوله عزّ وجلّ : ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ) (٤). قال :
جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم ، لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرد فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنّه عزّ وجلّ جعل بها من المتانة ما تنتفعون به ... (٥) إلى آخر الحديث.
هذا. ووجه النعم في « الملك » أنّ الملائكة تستغفر لنا بقوله تعالى : ( وَيَسْتَغْفِرُونَ
__________________
(١) إبراهيم (١٤) : ٣٤.
(٢) الذاريات (٥١) : ٢٢.
(٣) الأنعام (٦) : ٩٧.
(٤) البقرة (٢) : ٢٢.
(٥) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٢٥ / ٣٦.