وبعد ما دون الكسائيّ عن العرب وحفظ عنهم ، عاد إلى مجلس الخليل بالبصرة فوجده قد مات ، وجلس في موضعه يونس بن حبيب ، فجرت بينهما مسائل ومناظرات ، ظهر فيها علم الكسائيّ ، فأقر له يونس فيها وصدّره موضعه (١).
وكان هذا سببا في رقيّ جديد للكسائيّ حيث انتقل إلى بغداد ، واتصل بالخلفاء العباسيين ، وأصبح من طائفة المؤدّبين لأبناء الخلفاء. وكان إلى جانب عمله هذا ، يقرئ الناس القرآن الكريم ، ويعلمهم النحو واللغة في بغداد.
عرف الكسائيّ مؤدّبا ومعلّما ، لكن صيته ذاع وملأ الآفاق ؛ بسبب إقراء القرآن الكريم ، فهو أحد القرّاء السبعة المشهورين ، وقد قرأ عليه خلق كثير ، ببغداد ، وبالرقة ، وغيرهما ، وتفيد المصادر أن الكسائيّ حين انتقل إلى بغداد ، أقرأ بها زمانا بقراءة حمزة ، ثم اختار لنفسه قراءة ، حتى انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة ، وحسبنا هنا قول الخطيب البغدادي : « كان الكسائيّ واحد الناس في القرآن ، يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم ، فيجمعهم ويجلس على كرسي ، ويتلو القرآن من أوله إلى آخره ، وهم يستمعون ، حتى
__________________
(١) تاريخ بغداد ١١ / ٤٠٤ ، نزهة الألباء ٦٨ ، إنباه الرواة ٢ / ٢٥٧.