نحو ثلاثين سنة ، وهو حسن المحاضرة ، جميل المروءة ، كثير التواضع ، لا يعدّ نفسه شيئا ، يعتريه في بعض الحالات حدّة ثم يرجع سريعا وقد يقهرها بالحلم ، وليس بمتصنع في ملبسه وجميع شئونه ، وبيني وبينه مجالسة ومؤانسة ، ومحبّة أكيدة من قديم الأيام ، ولما كان شهر رجب سنة ١٢١٣ ه صار قاضيا من جملة قضاة الحضرة المنصورية ، وعظمه الإمام تعظيما كبيرا بعد أن أشرت عليه وعرفته بجليل مقداره » (١).
وقد ترجم له « السيد الحافظ عبد الكريم » ، فقال : هو السيد المحقق المدقق المجتهد ، إمام الفروع والأصول ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، والصرف ، واللغة ، بلا منازع ولا مدافع.
أخذ العلم عن أبيه العلامة « يوسف بن الحسين زبارة » وغيره ، وعليه مدار أسانيد كتب أصحابنا ، والبخاري ، ومسلم ، وسائر الأمهات ، والمسانيد ، وكان مواظبا على الدرس والتدريس ، وتعلق بالقضاء ، فلم يمنعه ذلك من نشاطه وعلوّ همّته. وقد أخذ عنه جماعة من علماء « صنعاء » كالإمام الناصر عبد الله ابن الحسن بن أحمد بن المهدي ، وغيره.
وجلّ علماء صنعاء عالة عليه ، وله رسائل ، ومسائل ، وأجوبة مفيدة نافعة ، وأجلّها مؤلفه الذي كمّل به « كتاب الاعتصام » للإمام المنصور بالله القاسم ابن محمد ، لأن الإمام القاسم رحمهالله إنما بلغ فيه إلى آخر كتاب الصيام فأكمله من كتاب الحج ، إلى كتاب السّير فجاء كتابا نفيسا ، سلك فيه مسلك الإمام القاسم في نقل الحديث أولا من كتب الأئمة من أهل البيت وشيعتهم ، ثم من كتب المحدثين مع بيان ما يحتاج إلى البيان ، وهو أكبر دليل على شدة اطّلاعه ، وقوة ساعده ، وباعه ، وسمّى هذه التتمة « أنوار التمام المشرقة بضوء الاعتصام ». ولم يزل ملازما للتدريس بجامع « صنعاء » حتى توفاه الله تعالى
__________________
(١) انظر هامش الضوء اللامع ج ١ ، ص ١٣٠.