ملاك آخر بلا دخل لها فيه أصلاً ، وإن كان لها دخل فيما اطّلع عليه من الملاك (١) ولعلّها هي المراد ممّا أفاده شيخنا قدسسره فيما حرّره في هذا التحرير بقوله : إذ من الممكن أن يكون موضوع الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي أوسع من موضوع الحكم العقلي الخ (٢) وأمّا باقي الجهات ممّا عبّر عنه في الكفاية بقوله : لاحتمال عدم دخل تلك الحالة فيه (٣) ونحو ذلك ممّا ظاهره أنّ العقل يشكّ في ملاك حكمه ، وأنّ القدر المتيقّن هو الواجد لتلك الجهة التي ارتفعت ونحو ذلك ، فقد عرفت المنع منها ، وأنّ العقل لا يعقل أن يشكّ في موضوع ما حكم به.
ولكن مع ذلك كلّه فالاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف بحكم العقل محل تأمّل ، لأنّ الحكم الشرعي وإن كان واحداً وإنّما يختلف بالشدّة والضعف لو كان له في البين ملاك آخر غير ذلك الملاك الذي أدركه العقل ، إلاّ أن المتيقّن الوجود منه هو بمقدار كاشفه ، وأمّا ما هو زائد عليه فلم يكن متيقّناً وذلك المقدار المتيقّن منه قد زال قطعاً.
وبعبارة أُخرى : أنّ المتيقّن من الحكم الشرعي المنكشف وجوده بالحكم العقلي إنّما هو حرمة الضرر أو الكذب المضرّ ، أعني الحرمة بلحاظ إضافتها إلى عنوان الكذب المضرّ أو عنوان نفس الضرر ، أمّا الحرمة بلحاظ إضافتها إلى نفس الكذب وإن لم يكن مضرّاً ، فهذه الجهة من الحرمة لم تكن متيقّنة ، وتلك الجهة المتيقّنة قد ارتفعت يقيناً.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه بعد فرض كون الحكم واحداً ، وأنّه يختلف شدّة
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٨٦.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٣٢٢.
(٣) كفاية الأُصول : ٣٨٦.