في أُمور الشريعة ما لم يكن ممضى من جانب الشارع ، ولو بواسطة كون تلك السيرة بمرأى من الحجّة عليهالسلام ومسمع وعدم ردعه عنها ، فلا محالة تنتهي النوبة إلى لزوم إجراء أصالة عدم الردع ، الذي عرفت أنّ الرجوع إليه في باب الاستصحاب موجب للدور ، فلابدّ لنا حينئذ إمّا من دعوى القطع بعدم الردع ، ولو بواسطة معروفية تلك السيرة وعدم معروفية الردع عنها على وجه لو كان لبان ، أو دعوى الاكتفاء بجواز الركون إلى تلك السيرة بمجرّد عدم العلم بالردع وإن لم يكن عدمه محرزاً. وعهدة الأوّل على المدّعي ، وأمّا الثاني فقد التزم به في الكفاية كما هو ظاهر قوله : يكفي في حجّيته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها ـ إلى قوله ـ فافهم (١). ولا يخفى أنّه بناءً على ذلك لا يكون مانع من الاستدلال بالسيرة على حجّية الاستصحاب ، فلاحظ وتأمّل.
ثمّ إنّ لنا إشكالاً في أصالة عدم الردع في جميع موارد السيرة ، حيث إنّه بعد إحراز التمكّن من الردع تكون أصالة عدم الردع مثبتاً لما هو المطلوب من إمضاء السيرة ، أمّا إذا لم يكن [ إحراز ] التمكّن من الردع ممكناً فالأمر فيه أشكل ، إذ لا يكون أصالة عدم الردع ملازماً للامضاء ، فراجع ما علّقناه في مبحث حجّية خبر الواحد عند الاستدلال عليه بالسيرة (٢).
قوله : ولكن القدر المتيقّن من بناء العقلاء هو الأخذ بالحالة السابقة عند الشكّ في الرافع ... الخ (٣).
يمكن التأمّل في ذلك ، فإنّ الظاهر بناء العقلاء على الأخذ باستصحاب
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ / مبحث حجّية خبر الواحد.
(٢) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٤٥٤ وما بعدها.
(٣) فوائد الأُصول ٤ : ٣٣٣.