وأمّا غيرهم ـ فباختصار ـ نشير إلى بعض الطرق التي تناسبهم والمؤدّية إلى معرفة الله ـ تعالى ـ والإيمان به عندهم :
ألف : حين يتأمّل الإنسان ذاته وما يحيط به من المدرَكات ، ثم يتأمّل ويلاحظ كلّ جزء من أجزائها ، فإنّه يجد أنّ عدم ذلك الجزء وتلك الذّرّة ليس بالأمر المحال ، وأنّ وجوده وعدمه سيّان ، فليس لذاته ضرورة الوجود ولا ضرورة العدم ، وكلّ ما كان وجوده وعدمه سيّان فهو يحتاج إلى سبب يوجده ، ولمّا كان وجود كلّ جزء من أجزاء العالم محتاجاً إلى منعم الوجود ومانح الوجود فإنّ معطي الوجود ومانحه إمّا نفس الوجود ، أو غيره من سائر الموجودات ، ولكنّه يستحيل أن يكون هو الّذي منح نفسه الوجود ، وأوجد نفسه ، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، وأنّي له أن يمنح نفسه الوجود وهو بعدُ لا وجود له ـ أي قبل أن يوجَد ـ ، وإمّا أن يكون الموجِد له موجوداً آخر مثله ونظيره ، وهذا محال أيضاً لأنّ من يعجز عن إيجاد نفسه فهو أعجز عن إيجاد غيره ، وهذا الحكم الجاري على أجزاء العالم فهو جارٍ على العالم بأسره.
ولهذا السبّب فإنّ وجود الكائنات
وكمالات الوجود ـ كالحياة والعلم والقدرة ـ تدلّ على وجود حقيقة يكون وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها ذاتيّة ، نابغة من حاقّ ذاتها ، غير متعلّقة