ثم هذه المعرفة والعلاقة الفطرية بالله التي تحصل عند حلول البلاء واليأس والشّفاء قد تحصل أيضاً في حال الاختيار والرخاء ، لكن بجناحين هما العلم والعمل :
أوّلاً : بأن يمزّق المرء حجاب الجهل بنور العقل والعلم والمعرفة ، ليرى بعين اليقين ويعلم علم اليقين بأنّ وجود الموجودات وكمالاتها الوجوديّة ليست من صنعها ولا من صنع نظائرها وأشباهها ، بل تبدأ وتنتهي جميعها إلى ذات قُدّوسيّة حكيمة تبدأ منه وتنتهي إليه ، وجودها جميعاً منه وبه وله وإليه ، ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١).
ثانياً : أن يلتمس طريق الخير ويدفع عن نفسه دنس الرذائل والصفات المذمومة باتّباع التقوى وطهارة الروح وتزكية النّفس ، إذ لا حجاب بين الله ـ تعالى ـ وعبده سوى حجاب الجهل والغفلة والمعصية : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (٢) ، ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (٣).
والحمد لله ربّ العالمين
__________________
(١) سورة الحديد : ٣.
(٢) سورة العنكبوت : ٦٩.
(٣) سورة الشمس : ٧ ـ ١٠.