الحقيقي ، فقد أسند عصف الريح الى اليوم ، وهو دال على زمان من الأزمان ، ولا تستند إليه الفاعلية حقيقة إلا على نحو المجاز ، وهو كذلك ، وهذا أيضا مما نظر فيه الى النفس ليخلص اتجاهها في تصور شدة ذلك اليوم ، وعصف ذلك اليوم ، وحديث ذلك اليوم ، دون التفكير في الهوامش والجوانب الفائضة ، فكأن المراد هو اليوم فنسب إليه العصف ، فأقام اليوم مقام المضاف المذوف في التقدير اللغوي الأصل ، فهو يوم ذو عصف إن صح ما تأولوه.
وقد يكون هذا الإدارك على سبيل التعبير عن شدة الأمر ، وقيام العصف على أشده في ذلك اليوم ، مما يهم الإنسان ، فارتبط الحدث به نفسيا ، فأسند إليه الفعل كما هي الحال في هوله تعالى :
( فكيف تتّقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا (١٧) ) (١).
يقول الدكتور أحمد بدوي معلّلا هذه النسبة نفسيا :
« ولما كان يوم القيامة تملؤه أحداث مرعبة ، تملأ النفوس هولا يتسبب عنها لشدتها الشيب ، وكان هذا اليوم ظرفا لتلك الأحداث ، صح أن يسند الشيب إليه »(٢).
٢ ـ وإذ يوصلنا الى يوم القيامة ، فإن التعبير المجازي عن هذا اليوم يزداد جلاء ، فيعكس الحدث مقترنا بذلك اليوم ، ومنسوبا الى عوالمه الصامتة ، وإذا بها ناطقة تتكلم ، ومفصحة تعرب عما في الدخائل ، ويتجلى هذا في كل من قوله تعالى :
( يومئذ تحدّث أخبارها (٤) ) (٣).
والضمير عائد الى متقدم لفظا ورتبة كما يقول النحاة ، وتقدير الكلام عندهم : تحدث الأرض أخبارها ، والحقيقة اللغوية أن يتحدث ذو النطق بألته ، وذو اللسان بأداته ، لا الجماد بعجمته ، فهل هو تمثيل يعني : أن ما
__________________
(١) المزمل : ١٧.
(٢) أحمد أحمد بدوي ، من بلاغة القرآن : ٢٢٣.
(٣) الزلزلة : ٤.