١ ـ مجاز القرآن عند الروّاد الأوائل :
سحر العرب بجمال القرآن وجلالته ، وبهروا بروعته وحسن بيانه ، ووقفوا عند جزئياته البلاغية ، واستعذبوا نوادر استعمالاته في فن القول ، ذلك ما شكل عندهم ذائقة لغوية متأصلة ، وأمدّهم بحاسة نقدية متمكنة تتجه بالبيان العربي الى موكب الزحف الدلالي المتطور ، وتدفع بالمنهج البلاغي الى المناخ الموضوعي المطمئن ، فحدب علماؤهم على هذا العطاء ، الجديد يقتطفون ثماره ، وعمدوا الى هذا السبيل يجددون آثاره ، فكان نتيجة لهذا الجهد المتواصل البنّاء .. رصد المخزون الحضاري في تراث القرآن البلاغي واللغوي ، وبدأ التصنيف في هذا المخزون يتجدد ، والتأليف بين متفرقاته يأخذ صيغة الموضوعية ، فنشأ عن هذا وذاك حشد بياني من المصطلحات ، وتبلور فضل تدقيق في شتى المعارف الإنسانية ، وتوارث الخلف عن السلف محور الأصالة في التحقيق ، كانت عائديته الأبتعاد بالتراث اللغوي عن التعقيد والغرابة والأسفاف ، والصيانة له عن الانحطاط والتدهور والضياع ، والأزدلاف به عن الوحشي والتنافر والدخيل.
وكان القرآن الحكيم أساس هذا الإصلاح ، ومادة هذا التطور في مثله اللغوية وأسراره العربية ؛ وما دام الأمر هكذا فالعرب والمسلمون بإزاء الكشف عن خبايا هذا الكتاب وكنوزه ، ودراسة مختلف قضاياه الفنية.
وقد كان الأمر كذلك ، وكان التوجه للقرآن الكريم بهذه النظرة الفاحصة منذ عهد مبكر ، فعكف المسلمون على جمعه وتدوينه وتوحيد قراءاته ، وكان أن ضمّت جميع آياته الى سوره ، وجمعت كل سوره في المصحف وبدأ تدارسه في نزوله وأسبابه وتشكيله ، وحفظه في الصدور وعلى السطور ، فكان ما فيه متواترا دون ريب ، وسليما دون منازع ، تحقيقا