حياة للقلوب على حد قوله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ... ) (١).
فالمجاز في المثبت وهو الحياة ، فأما الإثبات فواقع على حقيقته لأنه ينصرف الى أن الهدى والعلم والحكمة فضل من الله وكائن من عنده. ومن الواضح في ذلك قوله تعالى : ( فأحيينا به الأرض بعد موتها ) (٢) وقوله تعالى : ( إن الذي أحياها لمحي الموتى ) (٣). جعل خضرة الأرض ونضرتها وبهجتها بما يظهره الله تعالى فيها من النبات والأنوار والأزهار وعجائب الصنع حياة لها ؛ فكان ذلك مجازا في المثبت من حيث جعل ما ليس بحياة حياة على النسبية ، فأما نفس الإثبات فمحض الحقيقة لأنه إثبات لما ضرب الحياة مثلا له فعلا لله تعالى ، ولا حقيقة أحق من ذلك(٤).
ويتابع عبد القاهر تقرير حقيقة الفصل بين المجاز اللغوي والعقلي ، بما يشبه الحكم القاطع الذي لا تردد معه ، فيقول :
ومما يجب ضبطه في هذا الباب أن كل حكم يجب في العقل وجوبا حتى لا يجوز خلافه فإضافته الى دلالة اللغة ، وجعله مشروطا فيها محال ، لأن اللغة تجري مجرى العلامات والسمات ، ولا معنى للعلامة والسمة حتى يحتمل الشيء ما جعلت العلامة دليلا عليه وخلافه(٥).
* * *
٢ ـ ولما كان المجاز العقلي إنما يعرف باعتبار طرفيه ، وهما المسند والمسند إليه ، لأنه إنما يقع في الجملة ، والجملة تعرف بالتركيب ، ولا علاقة لذلك بالألفاظ ذاتها دون إسنادها ، لأنه ليس من باب اللفظ المفرد فينظر له بالاستعارة ، ولا يرى في الكلمة المنقولة عن الأصل فينظر له في المجاز المرسل ، وإنما هومكتشف من الإسناد وما يؤول اليه المعنى في
__________________
(١) الشورى : ٥٢.
(٢) فاطر : ٩.
(٣) فصلت : ٣٩.
(٤) عبد القاهر الجرجاني ، أسرار البلاغة : ٣٤٣ وما بعدها.
(٥) المصدر نفسه : ٣٤٧.