وليس من شأن السماء البكاء ، ولا من طبيعة الأرض أن تكون باكية ، دلالة على إرادة الاستعمال المجازي عقلا ، فالمساء على حقيقتها والبكاء على حقيقته وكذلك الأرض ، ووصف السماء والأرض بأنهما يبكيان ، أو نفي بكائهما كما في الآية ، يقتضي أن هذا الإسناد ألصق في تصور الفجيعة ، وأبلغ في تصوير النازلة ، وذلك حينما أخذ هؤلاء على عجل دون أهبة أو استعداد.
ونظير هذا كثير في المجاز العقلي من القرآن.
والمراد بعلاقة المجاز العقلي في القرآن ههنا ، وجه الاستعمال المجازي وسببه الداعي اليه ، والركيزة المقتضية التي يستند اليها هذا المجاز ، ولك أن تتجوز في ذلك فتقول : إن العلاقة هنا هي المسوغ الفني ، أو المبرر الاستعمالي لهذه الصيغة المجازية دون الأصل الحقيقي.
ولقد توسع علماء البلاغة القدامى والمحدثين ـ بالتبعية ـ في إيراد مبررات هذه العلاقة ، وتفننوا بالتقسيمات المضنية ، وتعللوا بالتخريجات المنطقية تارة ، والكلامية أخرى ، والنحوية سواهما ، حتى بلغوا بذلك حد الإفراط ، مما ذهب برونق هذه العلاقة المتينة وبهائها ، فبدلا من حصرها ، وتسليط الأضواء على مضمونها ، لجأوا الى التفصيلات المملة ، والأسماء المخترعة ، فكانت السببية مثلا ، والمسببية ، والزمانية ، والمكانية ، والفاعلية ، والمفعولية ، والمصدرية وأضراب ذلك من نماذج علاقة المجاز العقلي.
وكانت : تسمية الكل باسم الجزء الذي لا غنى عنه في الدلالة على ذلك الكل ، وتسمية الجزء باسم الكل ، وتسمية المسبب باسم السبب ، وتسمية السبب باسم المسبب ، وتسمية الشيء باسم ما كان عليه ، وتسميته باسم ما يكون عليه أو يؤول اليه ، وإسناد الفاعلية أو الصفة الثبوتية للزمان ، ووضع النداء موضع التعجب ، وإطلاق الأمر وإرادة الخبر به ، وإضفاء الفعل الحسي على الأمر المعنوي ، والتغليب : بإعطاء الشيء حكم غيره ، وأضراب ذلك من نماذج علاقة المجاز اللغوي المرسل.