ولكنها تحمل أكثر من معناها الظاهري في كثير من الأبعاد التي توهم ببعض الشبه لدى الساذجين ، ومهمة المجاز العقلية كفلت درء هذه الشبهات بما تسخره من طاقات بيانية كاشفة ، وبما تستلهمه من مناخ عقلي يقود الذهن الى ميناء سليم. وهكذا الحال فيما شأنه الرصد العقلي ، أو إثارة مكنونات العقل الإنساني بلحاظ ما ، فتثير الحوافز ، وتنبه المدارك ، وتحرك المشاعر ، في نماذج وأمثال قرآنية متعددة تتبعنا أهمها وأعمقها.
٤ ـ في الفصل الرابع ، وهو بعنوان المجاز العقلي في القرآن ، بحثنا بإشباع :
أولا : ـ تشخيص المجاز العقلي في القرآن وعند العرب ، ويعود كشف هذا النوع الى عبد القاهر فهو مبتدعه ومبتكره من خلال نظره الثاقب في مجاز القرآن العقلي ، وهو مسميه بأسمائه المختلفة السمات والمتحدة المسميات.
ثانيا : ـ المجاز العقلي في القرآن بين الإثبات والإسناد ، لأن المجاز إذا وقع في الإثبات فهو متلقى من جهة العقل ، وإذا عرض في المثبت فهو متلقى من جهة اللغة. وإنما يصار الى مجاز القرآن العقلي لأن جملة من الملاحظ المجازية لا يمكن أن تنسب الى اللغة في دلالتها لأنها حقيقة الألفاظ ، وإنما يرجع فيها الى العقل في إشارته في الحمل على الإرادة المجازية في الإسناد الحملي ، ولا علاقة لذلك بالألفاظ ذاتها دون إسنادها ، فلا هو من باب اللفظ المفرد فينظر بعين الاستعارة ، ولا في الكلمة نقل عن الأصل اللغوي فينظر له بلحاظ المجاز المرسل ، وإنما يكتشف باعتبار طرفيه في الإسناد وقد يكونان حقيقيين ، وقد يكونان مجازيين ، وقد يكون أحدهما حقيقيا والآخر مجازيا ، ولا يدرك المجاز العقلي إلا من اقتران الطرفين مجتمعين.
ثالثا : ـ قرينة المجاز العقلي في القرآن ، فهو وإن كان متعلقا بالإسناد ، ولكن لا بد له من قرينة دالة عليه لفظية أو غير لفظية ، وقد يعبر عن اللفظية بأنها مقالية ، وعن غير اللفظية بأنها حالية ، وكلاهما مما يدرك بهما العقلي من المجاز. والقرينة غير العلاقة ، فالقرينة دالة على المجاز والعلاقة السبب الداعي الى استعمال المجاز.