وفي الآيات هذه عدة شواهد على مجازية الآية السابقة ، وعلى مجازية الآيات نفسها في عدة دلائل منها :
١ ـ إن المعنى : يحشر أعمى البصر ، وقيل أعمى عن الحجة ، أي لا حجة يهتدي إليها.
قال الفراء : « يقال أنه يخرج من قبره بصيرا في حشره »(١).
وفي ذلك دلالة على أن لا ملازمة بين العمى الحقيقي ـ في الآية السابقة ـ وبين الضلال. فقد يحشر البصير في هذه الدنيا أعمى في الآخرة ، وهذا العمى قد يكون على ظاهره كما حمله أبو زكريا الفراء وقد يكون مجازه كما روى ذلك معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام ـ يعني الإمام جعفر بن محمد الصادق ـ عن رجل لم يحج وله مال ، قال هو ممن قال الله ( ونحشره يوم القيامة أعمى ) فقلت سبحان الله أعمى ، قال أعماه الله عن طريق الحق (٢). قال الطبرسي ( ت : ٥٤٨ هـ ) فهذا يطابق قول من قال : إن المعنى في الآية أعمى عن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها(٣).
٢ ـ وكما حشر أعمى حينما أعرض في حياته الدنيا عن القرآن ودلائل الشريعة ، وسنن النبوة ، ونسي آيات الله ، فقد صكّ ( فكذلك اليوم تنسى ) أيها الناسي ، فتصير بمنزلة من ترك كالمنسي بعذاب لا يفنى.
٣ ـ وقيل معناه : كما حشرتك أعمى ، لتكون فصيحة ؛ كنت أعمى القلب ، فتركت آياتي ولم تنظر فيها ، وكما تركت أوامرنا فجعلتها كالشيء المنسي ، تترك اليوم في العذاب كالشيء المنسي(٤).
فالمجازية في إضراب هذه الألفاظ متواترة الورود في الروايات ومقتضاة لضرورة المعاني.
والطريف أننا لو رجعنا الى المصادر التراثية في تفسير تلك الألفاظ وأمثلها ، لكان ذلك وحده كافيا للاستدلال بوقوع المجاز في القرآن ؛ وانظر الى جمهرة الأقوال في شتى شؤونها بالنسبة للآية موضوع البحث ، وإنما أكدنا عليها لأن دلالتها واضحة تكاد لا تخفى على السواد ، فكيف
__________________
(١ ـ ٤ ) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان : ٤/٣٤ ـ ٣٥.