ولعل مفهوم « عدالة الصحابة » هو واحد من أبرز تلك المفاهيم التي استمر الجدل حولها إلى يومنا هذا بسبب وجود من يلجأ إلى ذلك الاسلوب الانتقائي ، فهذا ابن خلدون الذي وضع في مقدمته قوانين دقيقة ومتينة في نقد التاريخ تراه يخفق في استخدامها في تاريخه عامة ، وفي تأريخ هذه الحقبة خاصة ، وكأنها غابت عنه بشكل كامل ، فهو حين ينتهي من التاريخ لهذه الحقبة ، يقول : ( هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها ... أوردتها ملخصة من كتاب محمد بن جرير الطبري، وهو تاريخه الكبير ، فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك ، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الاُمّة من خيارها وعدولها من الصحابة والتابعين ، فكثيراً مايوجد في كلام المؤرخين مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الاهواء ، فلا ينبغي أن تسوّد بها الصحف ) ! ونحو هذا قاله ابن الاثير في مقدمته ، دون اعتماد لقوانين النقد والمقارنة والاستقراء.
أما المتكلمون فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين أوجبوا التأويل والتبرير لكل ماحفظه التاريخ من وقائع وأحداث تستدعي النظر والتحقيق في هذه المسألة ( ومالم تجد له تأويلاً ، فقل : لعلّ له تأويل لا أعلمه ) !
ولا شك ان مثل هذا المفهوم يجب ان يخضع ـ تحقيقاً وبرهاناً ـ للبحث التاريخي الذي يقوم على الاستقراء الشامل لتاريخ الصحابة أفراداً وجماعات.
ولا ينفصل هذا البحث التاريخي عن القرآن والسُنّة بحال ، ذلك ان القرآن الكريم كان راصداً لتلك المرحلة من مراحل التاريخ حافظاً للكثير من مشاهدها ، وهو المصدر المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقول نفسه مع السُنّة المطهّرة حيث كان صاحبها صلىاللهعليهوآلهوسلم الشاهد والمربي والمرشد والموجه والقائد، وقد ترك لنا الكثير من الاثر المعصوم الذي ينبغي ان نستنير به في معرفة ما يتصل بهذه الحقبة التاريخية ورجالها.
ووفق هذا المنهج سار هذا الكتاب الذي يقدمه مركزنا للقرّاء ، خدمة للحقيقة الدينية والتاريخية ، راجين ان يعم النفع به ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
مركز الرسالة