والشكر يستحق على النعم المقصود بها جهات النفع ، فإن كان كمال المنعم بها معلوما وبلغت أعلى المبالغ ، كنعم الله ونعم أنبيائه وأوليائه ، كان شكرها مطلقا ، وإلا فهو مقيد ، وطريق العلم باستحقاقه ضرورة العقل ، لأنه من جملة علومه.
والعوض يستحق على الآلام لا على غيرها ، ويعلم وجوبه بوجوب الانتصاف الذي لا يتم إلا به ، وثبوت الآلام معلوم (١) بوجدانه وإدراكه ، والفرق بين حصوله وارتفاعه ، ولا يكاد يشتبه الأمر فيه على عاقل ، فإن كان من فعل الله تعالى فأما مبتدئ لا عن سبب ، والوجه فيه لطف بعض المكلفين ، أما المفعول به إن كان مكلفا أو غيره وبذلك ثبت الغرض به وانتفى العبث عنه ، ولا بد فيه من عوض زائد موف (٢) عليه ينغمر (٣) بالنسبة إليه في جانبه ، ويحسن لأجله تحمله ، وبذلك ثبت العدل به وانتفى الظلم عنه.
أو مسبب فأما في الدنيا ، وهو ما حصل عن تعريض المعرضين ، وحسنه معلوم بجريان العادة به ، وإن خرقها فيه لا لوجه ممتنع ، والعرض فيه على المعرض ، لأنه فاعل المسبب (٤) وأما في الآخرة فلا وجه له إلا الاستحقاق ، وهو المقتضي حسنه ، وإن كان من فعل غيره سبحانه ، فإما حسن وهو ما كان لاجتناب نفع حسن لا يجتلب إلا به ، أو دفع ضرر عظيم لا يندفع إلا به ، أو لمدافعة متعد (٥) غير مقصود إيلامه ، أو لإتباع أمر مشروع وإذن متبوع ، أو لإقامة
__________________
(١) في « ج » : وثبوت الألم معلوم.
(٢) في « ج » : « موقوف » بدل « موف ».
(٣) في « ا » : يتغمر.
(٤) في « ا » : فاعل السبب.
(٥) في « ج » : أو لمدافعة معتد.