مع أنّ الشيخ صنّف كتابه « الخلاف » لنقل الخلافيّات والأقوال والآراء ، حتّى أنّه ينقل آراء العامّة وغيرهم من أهل الخلاف ، فضلا عن الخاصّة ، ووضع كتابه وتأليفه ليس إلّا لذلك ، وبذل جهده في ذلك ، فهو مع نهاية قرب عهده بالمتقدّمين ، بل وكونه منهم وأدرك أعاظمهم ، واطّلع على كلام من لم يدركه بالبديهة ، لكمال مهارته ، ومع ذلك لم ينقل من أحد قولا بتحريم الجمع المذكور ، بل ولا إشكالا ولا شبهة في عدمه ، بل ولا في عدم كراهته.
بل كلامه ينادي بإباحته ، كإباحة الجمع بين النساء ما عدا الأختين ، مع أنّه هو الراوي للرواية المذكورة ، وتأليفه لـ « الخلاف » بعد « التهذيب » قطعا ، بل « التهذيب » أوّل كتبه في الفقه ، ثمَّ ألّف بعده « النهاية » على طبق ما اختار وذكر في « التهذيب » ، ثمَّ بعده « الاستبصار » وغيره من تأليفاته ، فجميعها بعد « التهذيب » بلا شبهة.
فلو كان قائلا بحرمة الجمع المذكور ، فكيف أظهر في الخلافيّة خلافه ، بل أعرض عن ذكره بالمرّة حتّى في مقام الكراهة ، وترك الأولى ، مع أنّه روى ما روى ، ورأيه بالمسامحة فيهما بلا خفاء ، ووافق في جميع ما ذكره باقي الفقهاء ، مع أنّه أظهر عن حال الفقهاء بأجمعهم فيما ذكر؟!
مع أنّه قد أكثر من نقل أقوال شاذّة شديدة الشذوذ خالية عن المستند ـ بحسب الوجدان ـ وفي المقامات الّتي ليس الاهتمام بحالها كالاهتمام بحال الفروج ، فكيف لم ينقل قولا بالتحريم المذكور ، بل ولم يستشكل أصلا ، مع أنّه هو الراوي للرواية المذكورة؟!
بل سلك في « المبسوط » و « الجمل » وغيرهما مسلك « الخلاف » ، مع أنّه يذكر فيها الأقوال الموردة للاستشكال بلا شبهة.