فإن قلت : النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد ، فكيف جعلته مانعا عن الصحّة؟!
قلت : مختار بعض الفقهاء أنّه يقتضي الفساد مطلقا (١). وأمّا على ما اختاره المشهور من عدم اقتضائه الفساد فإنّما يمنع الصحّة في موضع يكون مثبت الصحّة منحصرا في مثل قوله تعالى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) ، ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٥) و « والمسلمون عند شروطهم » (٦) ، لأنّ الحرمة لا تجتمع مع الحلّية ، لكونهما متضادّين عند الشيعة والمعتزلة ، بل عند الكلّ ، ولذا يدّعي الأشعري أنّ متعلّق الأمر غير متعلّق النهي في الصلاة في الدار المغصوبة (٧).
وبالجملة ، من المسلّمات التضادّ بين الأحكام الخمسة.
وأمّا الحرمة ووجوب الوفاء ، الظاهر أيضا أنّهما متضادّان ، مع أنّه إذا حصل الشكّ في تضادّهما لا يمكن الحكم بالصحّة ، لما عرفت من أنّ الأصل عدم الصحّة إلى أن يثبت الصحّة ، وبمجرّد الاحتمال لا يثبت.
لا يقال : إحلال البيع ووجوب الوفاء بالعهد كيف يدلّان على الصحّة؟! لأنّا نقول : البيع عبارة عن نقل الملك من الطرفين بعنوان اللزوم ، فإذا
__________________
(١) لاحظ! الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ١٨٠ ، العدّة : ١ / ٩٩ ، الوافية : ١٠٠ و ١٠٣ ، وغيرها.
(٢) البقرة (٢) : ٢٧٥.
(٣) البقرة (٢) : ٢٧٥.
(٤) المائدة (٥) : ١.
(٥) الإسراء (١٧) : ٣٤.
(٦) عوالي اللئالي : ٢ / ٢٥٨ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الحديثان ٢٣٠٤٠ و ٢٣٠٤١.
(٧) لاحظ! المستصفى : ١ / ٧٩ ، فواتح الرحموت : ١ / ٤٠١.