وأنّه بهما يدخل العصيرات الثلاث في حدّه حقيقة ، بحسب اصطلاح الشرع ، أو مجازا ، والعلاقة الحرمة لا أقلّ ، وستعرف التفصيل والظهور ، وأنّ ذلك هو الظاهر من القدماء ، فانتظر.
استدلّ المحلّلون بالأصل والعمومات.
والجواب يظهر ممّا تقدّم ، إذ الأصل لا يعارض الدليل ، والعامّ لا يقاوم الخاصّ ، لأنّه مقدّم البتّة وإن كان العام من القرآن ، لأنّ المحلّلون بأجمعهم يقولون بتخصيص الكتاب بخبر الواحد ، كما هو المشهور ، وهو الحقّ أيضا.
مع أنّه لا عموم في القرآن ، إلّا مثل قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (١) ، وهو دليل من أدلّة الأصل المذكور ، وليس أمرا برأسه ، فحاله حال الأصل ، إذ ليس فيه قوّة بها يعارض الدليل ، لأنّ مقتضاه ليس سوى أنّه خلق لنا ما في الأرض فلو شئنا أن ننتفع منه انتفعنا بغير منع من الله تعالى ، ولا شكّ في أنّه كثيرا منه يضرّنا وكثيرا منه لا ندري يضرّ أم ينفع ، أم لا يضرّ ولا ينفع ، وكثيرا منه نظنّ أنّه ينفع إلّا [ أنّه ي ] ظهر من الشرع أو العقل [ أنّ ] الأمر بالعكس ، فإذا ورد من الشرع المنع يكون معناه أنّه يضرّ ولو لم يكن فيه ضرر لم يمنعنا عنه البتّة ، فلا يكون بين هذا الّذي [ ذكر ] وبين قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ) تدافع ، ولو كان يرى تدافع فليس بحسب الحقيقة ، وعند العقلاء أو بحسب العرف ، كما لا يخفى على المتأمّل فيما ذكرنا.
مع أنّه على فرض التدافع فليس قوّة في دلالة الآية بحيث تقاوم الخبر حتّى يحتاج إلى قواعد التخصيص والتعميم ، إذ لا شكّ في أنّ كلّ حرام فيه نفع في
__________________
(١) البقرة (٢) : ٢٩.