مع تعدد المواضع الذي استعملها فيها وكثرتها ، فإذا نحن ضممنا إليه حديثه عن التخصيص بعد ذلك واختياره المثال الذي ضربه له من المخصص المنفصل وهو آيات اللعان بعد آية حد القذف ، أدركنا عن يقين أن النسخ عنده إنما يراد به رفع الحكم الأول كله ، وهذا عنده يقتضي إثبات غيره مكانه ، أما رفع بعض الحكم الأول فهو عنده تخصيص للعام ولو انفصل عنه (١).
وأبو عبيد الذي عاصر الإمام الشافعي وأخذ عنه قد التزم في كتابه مفهوم السلف لمصطلح الناسخ والمنسوخ فاعتبر رفع الحكم الشرعي الثابت بدليل متقدم بحكم متراخ عنه ثابت بدليل متأخر ، والاستثناء ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق وتبيين المجمل وإبطال مفهوم علق بالأذهان وهو غير مراد من النص. اعتبر ذلك كله داخلا في مصطلح النسخ.
وهذه أمثلة من الكتاب نفسه من خلالها يتضح مفهوم أبي عبيد لمصطلح الناسخ والمنسوخ :
١ ـ ذكر أبو عبيد في باب الصيام حديث عدي بن حاتم الذي قال فيه : لما نزلت هذه الآية ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (٢) عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض ... الحديث (٣).
وبعد أن ذكر أحاديث غيره تتعلق بالصوم قال أبو عبيد : فهذا ما كان من نسخ الطعام والشراب والنكاح في الصوم.
فاعتبر إزالة المفهوم الباطل للآية الكريمة الذي علق بذهن عدي بن حاتم اعتبره نسخا.
٢ ـ في باب النكاح قال أبو عبيد : وأما الحرام الذي نسخه الحلال
__________________
(١) النسخ في القرآن الكريم مصطفى زيد ١ / ٧٥.
(٢) سورة البقرة آية ١٨٧.
(٣) انظر : باب الصيام ص ٣٩.