الاصالة ، ترك العمل بها في الصورتين : صورة الاسترعاء ، وصورة سماعه ، يشهد بذلك عند الحاكم ، للاجماع فيبقى معمولا بهما فيما عداهما.
والالتفات الى أن الاصل قاص بجوازه ، ولان العلة المقتضية لقبول الشهادة على الشهادة ـ وهي تعذر اثبات الحقوق لو لا شرع ذلك ـ موجودة هنا ، ولان حضور شاهد الاصل عند الحاكم لاداء الشهادة مما يقل غالبا ، فلو كان القبول مشروطا به لزم الحرج والمشقة المنفيين بالآية والرواية. وكذا لو كان مشروطا بالاسترعاء ، لانه مما يقل أيضا الا نادرا ، فمست الحاجة الى شرع مرتبة ثالثة للتحمل ، وليست الا هذه ، اذ هي صورة جزم بثبوت الحق للمشهود عليه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).
واعلم أن المتأخر ذكر أن مراتب التحمل هي هذه الثلاث في كتابه كما ذكر الشيخ في المبسوط ، الا أنه قال بعد ذلك : وهذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه على ما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شيء. وهذا الكلام يدل على تردده فيه.
قال رحمهالله : أما لو لم يذكر سبب الحق ، بل اقتصر على قوله : أنا أشهد لفلان على فلان بكذا لم يصر متحملا ، لاعتياد التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب اشكال.
أقول : اعلم أن الشيخ رحمهالله فرق في المبسوط (٢) بين هاتين المسألتين ، بأن قوله في هذه الصورة أشهد بذلك ينقسم الى الشهادة بالحق ، ويحمل العلم به على وجه لا يشهد به ، وهو أن يسمع الناس يقولون لفلان على فلان كذا وكذا واذا احتمل ذلك وقف التحمل بهذا الاحتمال ، وليست كذلك الصورة الاولى ، لانتفاء هذا الاحتمال بذكر السبب ، وعروة الحق إليه.
__________________
(١) المبسوط ٨ / ٢٣١.
(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٢.