و كان ابن عبّاس غير مستثنى من هذه القاعدة ، حيث أسقط معاويةُ عطاءَه عند تسلّطه على المسلمين ، و كان يلعنه في القنوت بعد علي بن أبي طالب بعد حادثة الحكمين.
و قد بسطنا القول عن اتجاهي الرأي و التعبد على عهد رسول الله في بحوث متعدّدة لنا ، و قلنا أنّ عامّة القرشيين كانوا من أهل الرأي ، و أنّ ابن عبّاس و عليّاً و من تابعهما كانوا من أهل التعبد.
فجاء عن ابن عبّاس قوله : ليس أحدٌ إلاّ يؤخذُ من قوله و يدع غيرَ النبي صلىاللهعليهوآله (١).
وقوله : ألم يقل الله عزّوجلّ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ؟ قلت : بلى ، قال : ألم يقل الله ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ؟ قلت : بلى. قال : أشهد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله نهى عن النقير و المزفّت و الدباء و الحنتم (٢).
و قوله في آخر : ألا تنتهوا عما نهاكم عنه رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ (٣)
و قد ثبت عنه رحمه الله أنّه كان يصحح المفاهيم الخاطئة التي وقع فيها الناس ، فعن أبي الطفيل قال : قلت لابن عبّاس : يزعم قومك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رَمَل بالبيت ، و أنّ ذلك سنة ؟
_______________________________
(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير ١١ : ٣٣٩ (١١٩٤١). و قال الهيثمي ١ : ١٧٩ « رجاله موثقون ». انظر جامع المسانيد و السنن ٣٢ : ٢٦.
(٢) رواه النسائي في الأشربة ( باب ذكر الدلالة على النهي للموصوف من الأوعية ).
(٣) اخرجه الإمام أحمد في مسنده ١ : ٣٠٤. و اسناده صحيح كما في هامش جامع المسانيد ٣٠ : ٢٢٣.