التدوين بين المانعين و المجيزين :
لمّا كانت ملابسات أمر الوضوء ترتبط ارتباطاً أساسيّاً بمسألة جواز التحديث و الكتابة و التدوين و عدم جوازها ، و مسألة التعبد المحض و العمل بالرأي ، بحيث لا يمكن انفكاكهما ، كان لا بدّ لنا من إلقاء الضوء على حقيقة أنّ روّاد الوضوء الثنائي المسحي هم من المتعبدين و من المجيزين للتحديث و الكتابة و التدوين ، و أنّ المؤسسين و الداعين للوضوء الثلاثي الغسلي ـ في زمن عثمان و ما بعده ـ هم من العاملين بالرأي و من المانعين للتحديث و الكتابة و التدوين.
و قد أقرّ عثمان بن عفّان بأنّ المخالفين لوضوئه الثلاثي الغسلي هم من المحدّثين المتعبدين فقال بعد أن توضّأ وضوءً غسليّاً ثلاثيّاً : « إنّ أناساً يتحدثون عن رسول الله بأحاديث لا أدري ما هي !! إلاّ أني رأيت رسول الله توضّأ مثل وضوئي هذا » (١) ، تُرى ما هو سرّ معارضة المحدثين لعثمان ؟ و ما هو سبب منع الشيخين و أتباعهما للتحديث و الكتابة و التدوين ؟ و لماذا فتح باب التدوين بعد زمن طويل في زمان عمر بن عبدالعزيز ؟ و ما ارتباط كل ذلك بالوضوء ؟
نحن سنعرض عليك بنحو الاختصار منع الخلفاء أصحاب الرأي للتدوين ، و إصرار المتبعدين على جوازه ، و ستقف على تطبيق مفردات هذه الكلّية على مرويات عبدالله بن عباس الوضوئية ، و سترى أن غالب رواة المسح عنه هم من المدونين ، بعكس رواة الغسل عنه فإنّ غالبهم من
_______________________________
(١) صحيح مسلم ١ : ٢٠٧ / ٨ ، كنز العمال ٩ : ٤٢٣ / ٢٦٧٩٧.