الأهواز و أمر الناس بغسل الرجلين (١) ، و لمّا سمع بذلك أنس بن مالك اعترض عليه قائلاً : صدق الله و كذب الحجّاج قال الله تعالى ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (٢).
و بعد هذا يحق لنا أن نقول : إنّ بكاء أنس بن مالك جاء لتلاعب أمثال الحجّاج بالصلاة و الوضوء و ...
هذا ، و يمكننا الإشارة إلى حقيقة أخرى قد تكون خافية على البعض ، و هي : إنّ نهج الخلفاء ـ و كما عرفت ـ كان لا يرتضي الأخذ بفقه علي و ابن عبّاس ، فنتساءل : لو صح هذا و كان فقه علي بن أبي طالب و ابن عبّاس منهيّاً عنه ، فكيف نقل عنهما مالك في موطَّئه ؟
إنّ اللّب السليم يحكم بأنّ ما نقله مالك صِيغَ ليكونَ موافقاً لفقه الخلفاء ؛ إذ لم ينقل مالك الوجه الحقيقي لما يلتزمه علي و ابن عبّاس من الشرع ، و ذلك يعني أنّ غالب ما نهت عنه الحكومة هو الفقه المستقل ، ( أعني فقه التعبد المحض ) ، لا ما أريد له أن يكون موافقاً للفقه الاجتهادي السلطوي الحاكم !! ، وإلاّ فإنّ مالكاً لم يكن ليجسر على تخطّي أمرَ المنصور بعدم الأخذ عن علي و ابن عبّاس.
و هكذا الحال بالنسبة إلى أمّهات المسانيد و الصحاح الّتي أريد لها أن تكون كما هي عليه اليوم.
إذ لِمَ يُهتَمُّ ويُعتنىٰ بما يُروى عن ابن عبّاس و أمثاله ممّا يؤيّد مدرسة
_______________________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢.
(٢) المصدر السابق.