فأنصار التعبّد المحض لم يخضعوا إلى ما سنّه أبو بكر و عمر و عثمان و أتباعهم من مخالفات لقول رسول الله صلىاللهعليهوآله و فعله ، بل إنّهم كانوا يؤكّدون على عدم تركهم سنة رسول الله صلىاللهعليهوآله لقول أحد (١) ، مصرِّحين في آخر : إنّها سنة أبي القاسم (٢) ، و في ثالث : سنة نبيكم و إن رغمتم (٣).
و من كل هذا يتبيّن بوضوح كون ابن عباس من أصحاب مدرسة التعبد المحض لا الرأي ، و من المحدثين الكاتبين المدونين لا المانعين ، و من الواقفين بوجه الفقه المخالف لكتاب الله و سنّة رسوله ، و لذلك كلّه كانت نسبة الخبر الثنائي المسحي في الوضوء إليه أقوى بمراتب من الوضوء الغسلي العثماني الذي ألقي على عاتق ابن عباس لأغراض حكوميّة كما علمت.
و إذا أردت التأكّد من صحّة ما قلناه من التلازم بين المدونين و الوضوء المسحي عند ابن عباس ، و بين المانعين من التدوين و الوضوء الغسلي ، فاقرأ معي الصفحات التالية :
المدونون وأخبار الوضوء عن ابن عبّاس
لقد انقسم المسلمون بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى نهجين ، أحدهما : يدعو إلى
_______________________________
(١) مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٩٤ / ٢٨٢٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٩ / ٦٨ ، شرحه للنووي ٧ ـ ٨ : ٤٥٦.
(٢) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ كتاب الصلاة ـ باب التكبير إذا قام من السجود ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٤٨.
(٣) قاله ابن عبّاس ، انظر مسند أحمد (٣١٨١ ، ٣١٨٣ ، ٢٠١٣) ، و جامع الأسانيد ٣٢ : ٣٦٤.