حسن سمته وصلحت أحواله وتواضعت نفسه ، وأخلص لله تعالى عمله ، انتقلت أوصافه إلى غيره من الرعيّة ، وفشا الخير فيهم ، وانتظمت أحوالهم ، ومتى لم يكن كذلك كان الناس دونه في المرتبة التي هو عليها فضلا عن مساواته ، فكان مع فساد نفسه منشأً لفساد النوع وخلله ، وناهيك بذلك ذنباً وطرداً عن الحقّ وبعداً ، ويا ليته إذا هلك انقطع عمله ، وبطل وزره ، بل هو باق ما بقي من تأسّى به واستنّ بسنّته.
وقد قال بعض العارفين : إنّ عامّة الناس أبداً دون المتلبّس بالعلم بمرتبة ، فإذا كان ورعاً تقيّاً تلبّست العامّة بالمباحات ، وإذا اشتغل بالمباح ، تلبّست العامّة بالشبهات ، فإن دخل في الشبهات تعلّق العامي بالحرام ، فإن تناول الحرام كفر العامي ، وكفى شاهداً على صدق هذه العيان وعدول الوجدان ، فضلا عن نقل الأعيان (١).
فعلى طالب العلم في سيرته الأخلاقيّة أن يراعي حسن الخلق غاية المراعاة ، ويحافظ على القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام ، كإقامة الصلوات في مساجد الجماعات محافظاً على شريف الأوقات ، وإفشاء السلام للخاصّ والعامّ مبتدئاً ومجيباً ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى بسبب ذلك ، صادعاً بالحقّ ، باذلا نفسه لله ، لا يخاف لومة لائم ، متأسّياً في ذلك بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وغيره من الأنبياء ، فإنّ العلماء ورثه الأنبياء ، متذكّراً ما نزل بهم من المحن عند القيام بأوامر الله تعالى.
ولا يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز ، بل يأخذ نفسه بأحسنها
__________________
١ ـ منية المريد : ١٦٢.