(فَألـْهَمَها فُجورَها وَتَقْواها قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١).
وهذا من تمام الحجّة الإلهيّة البالغة ، فتدبّر. فلا مفرّ بعدئذ يوم القيامة من حكومة الله جلّ جلاله ، ولا يمكن الفرار من حكومتك.
فكلّ واحد بفطرته السليمة الموحّدة يعرف الخير من الشرّ ، والصالح من الطالح ، والسقيم من الصحيح ، والباطل من الحقّ. ولا بدّ أن يتحرّك هو أوّلا في تهذيب نفسه وصيقلة قلبه ، ثمّ لا بدّ له من إرشاد الحكيم ـ فإنّه كما ورد في الخبر الشريف : هلك من لم يكن له حكيمٌ يرشده ـ وهداية النبيّ إنّما تكون بمنزلة السائق والقائد ، وكلامه الحقّ بمنزلة وقود لديمومة الحركة وتسريعها.
فخلاصة الإسلام وجوهريّته هو الأخلاق ـ تخلّقوا بأخلاق الله ، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ حتّى عُدّ الأخلاق وعلمه من أهمّ الواجبات الإسلامية ، لأنّ الله إنّما يقسم في كتابه على ما كان بالغ الأهميّة ، ولم يقسم على شيء كما أقسم على الأخلاق ، فإنّه في سورة الشمس بعد أحد عشر قسماً ، يشير إلى عظمة الأخلاق والتزكية في قوله تعالى :
(قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها).
ولولا حسن الخلق لما كان الإنسان ينتفع ـ كما هو المطلوب ـ من عقائده الصحيحة ـ علم الكلام ـ ومن صلاته وصومه وغير ذلك ـ علم الفقه ـ وهذه العلوم الثلاثة إنّما هي من علوم الآخرة كما ورد في الحديث النبويّ الشريف : « إنّما العلم ثلاثة : آية محكمة ، وفريضة عادلة ، وسنّة قائمة » (٢).
__________________
١ ـ الشمس : ٨.
٢ ـ لقد شرحنا هذا المعنى في كتاب « التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة » ، وهو مطبوع ، فراجع.