متنسّك ، فالجاهل يغشّ الناس بتنسّكه والعالم ينغرهم بتهتّكه » (١).
فلا بدّ من الأخلاق ومكارمها ومعاليها ، وإنّما يحصل عليها الإنسان لا سيّما طالب العلم بالجهاد الأكبر ، أي محاربة النفس الأمّارة بالسوء (بالتخلية والتحلية والتجلية التي تعدّ هذه المراحل الثلاثة خلاصة علم الأخلاق والسير والسلوك).
(فينبغي لطالب العلم أن لا يغفل عن نفسه وما ينفعها وما يضرّها في أوّلها وآخرها فيستجلب بما ينفعها ، ويتجنّب عمّـا يضرّها لئلاّ يكون عقله وعلمه حجّة عليه فيزداد عقوبة) (٢).
ثمّ العلم النافع الحقّ ، إنّما هو معرفة سلوك الطريق إلى الله سبحانه وقطع عقبات القلب التي هي الصفات الذميمة ، وهي الحجاب بين العبد وربّه سبحانه وتعالى.
قال الشهيد الثاني في كتابه القيّم « منية المريد في أدب المفيد والمستفيد » : « إعلم أنّ العلم بمنزلة الشجرة ، والعمل بمنزلة الثمرة ، والغرض من الشجرة المثمرة ليس إلاّ ثمرتها ، أمّا شجرتها بدون الاستعمال ، فلا يتعلّق بها غرض أصلا ، فإنّ الانتفاع بها في أيّ وجه كان ضرب من الثمرة بهذا المعنى.
وإنّما كان الغرض الذاتي من العلم مطلقاً العمل ، لأنّ العلوم كلّها ترجع إلى أمرين : علم المعاملة ، وعلم المعرفة. فعلم المعاملة هو معرفة الحلال والحرام ونظائرهما من الأحكام ومعرفة أخلاق النفس المذمومة والمحمودة ، وكيفية علاجها والفرار منها ، وعلم المعرفة كالعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه ، وما عداهما من العلوم إمّا آلات لهذه العلوم أو يراد بها عمل من الأعمال في الجملة ، كما لا يخفى على
__________________
١ ـ منية المريد : ١٨١.
٢ ـ آداب المتعلّمين ، جامع المقدّمات ٢ : ٥٠.