من تتبّعها ، وظاهر أنّ علوم المعاملة لا تراد إلاّ للعمل ، بل لولا الحاجة إليه لم يكن لها قيمة » (١).
ثمّ الشهيد الثاني (قدس سره) في كتابه (المنية) بعد أن يذكر فضل العلم من القرآن الكريم والنبيّ الأكرم وأهل بيته الأطهار وما جاء في الكتب السالفة والحكم القديمة والدليل العقلي الدالّ على ذلك ، وأنّ آداب العلم تارة باعتبار اشتراك المعلّم والمتعلّم فيها ، واُخرى باعتبار ما يختصّ بالمعلّم ، ثمّ ما يختصّ بالمتعلّم ، فيقول في الآداب التي اشتركا فيها وهي قسمان : آدابهما في أنفسهما وآدابهما في مجلس الدرس ، والقسم الأوّل فيه اُمور أوّلها : ما يجب عليهما من إخلاص النيّة لله تعالى في طلبه وبذله ، فإنّ مدار الأعمال على النيّات ، وبسببها يكون العمل تارةً خَزَفة لا قيمة لها ، وتارةً جوهرة لا يُعلم قيمتها لِعِظم قدرها ، وتارة وبال على صاحبه مكتوب في ديوان السيّئات ، وإن كان بصورة الواجبات.
فيجب على كلّ منهما أن يقصد بعلمه وعمله وجه الله تعالى وامتثال أمره وإصلاح نفسه ، وإرشاد عباده إلى معالم دينه ، ولا يقصد بذلك غرض الدنيا من
__________________
١ ـ منية المريد ، تحقيق رضا المختاري : ١٥٠ ، ويضمّ الكتاب على مقدّمة في فضل العلم من الكتاب والسنّة والأثر ودليل العقل ، وعلى أبواب أربعة : الأوّل في آداب المعلّم والمتعلّم ، والثاني في آداب الفتوى والمفتي والمستفتي ، والثالث في المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها ، والرابع في آداب الكتابة وما يتعلّق بها ، والخاتمة في مطالب مهمّة في أقسام العلوم الشرعيّة والفرعيّة وغيرها ، وتتمّة الكتاب في نصائح مهمّة لطلاّب العلوم ، فراجع ، فإنّه قد أوصى السلف الصالح من علمائنا الأعلام بمدارسة ومطالعة هذا الكتاب القيّم ولو لعشر مرّات ، بل قيل في كلّ سنة مرّة ، حتّى من وصل إلى درجة الاجتهاد بل والمرجعيّة ، فإنّه لا يستغني عن هذا الكتاب وعن الموعظة والنصيحة.