الدنيا والآخرة ، وسلفنا الصالح جسّدوا آيات الزهد في حياتهم.
فهذا شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري (قدس سره) لمّا اشتهر بالزعامة الدينية والمرجعية بعثت الحكومة العثمانية مندوباً إليه ، فلمّـا دخل عليه وكان يتوقّع أن يعيش في القصور الزاهية حوله الحشم والخدم ، إلاّ أنّه رأى شيخاً جالساً على حصير عتيق وعلى رأسه عمامة بيضاء لابساً جبّة زهيدة الثمن ، ثمّ رآه قام بنفسه وصبّ حليباً في قدح وأضاف عليه قليلا من الماء وقدّمه إليه ، ولمّـا شرب الحليب استاذن منه الشيخ على أنّ تلامذته بانتظاره للدرس فودّعه ، ولمّـا رجع المندوب فأخبر القوم قائلا : وجدت الشيخ زاهداً كما أوصى نبيّ الإسلام بالزهد (١).
كان صدر المتألّهين يعتقد بأنّ طالب العلم يجب أن لا يفكّر في المال والجاه إلاّ ما كان ضرورياً لمعاشه ، وكان يقول : من طلب العلم للمال والجاه فإنّه موجودٌ خطر ، يجب الحذر منه.
وفي جلسات درسه كان يقول : تعلّم العلم والفنّ بدون جوهره أشبه ما يكون بتمكين قاطع الطريق من الخنجر ، إنّ تمكين الزنجي السكران من الخنجر أفضل من وقوع العلم بيد من ليس أهلا له.
وسلفنا الصالح كان يطلب العلم للعلم ، ولتبليغ الرسالة وهداية الناس ، وللأجر والثواب ، لا للمال والمنال والجاه والمقام واحترام الناس وما شابه ، فكانوا يدرسون ليصبحوا علماء صلحاء حتّى إذا علموا بأنّهم سيعيشون الفقر والحرمان المادّي حتّى آخر يوم من حياتهم.
فالزهد عنوان رجل الدين ، وخلقه الأوّل والأخير ، وإليكم هذه القصّة في
__________________
١ ـ قصص وخواطر : ٢٢٨.