الزهد : لمّـا وضع الاسكندر في تابوته ، قيل للعلماء : تكلّموا فقد كان يسمع إليكم وينصت لكم ، وكان اثني عشر عالماً.
فقال الأوّل : يا أيّها الساعي المتعصّب! جمعت ما خانك عند الاجتماع ، وودّعك عند الاحتياج ، فلا قرابة يعضدك ، ولا وزير يفتقدك.
وقال الثاني : قد ذهبت زهرة بهجته كما ذهب شعاع الشمس بنور النبات.
وقال الثالث : هذا الاسكندر صاحب الاُسراء أصبح اليوم أسيراً.
وقال الرابع : قد أمنك من كان يخافك ، فهل أمنت من الذي كنت تخافه؟
وقال الخامس : بل هل أمنت ما كنت تخاف نزوله بك؟
وقال السادس : اُنظروا إلى حلم النائم كيف انقضى ، وإلى ظلّ الغمام كيف انجلى.
وقال السابع : قد كان هذا الشخص يسأل عمّا قبله ، ولا يسأل عمّـا بعده.
وقال الثامن : ورد علينا هذا الجسد بما كان يستبقيه.
وقال التاسع : ما أرغبنا فيما فارقت وأغفلنا عمّـا عاينت!
وقال العاشر : ما أبعد شبه مكانك الذي أنت به اليوم من مكانك الذي كنت به الأمس!
وقال الحادي عشر : لم يقضِ هذا الجسد نهمته من هذه الدنيا حتّى قضت الدنيا نهمتها منه.
وقال الثاني عشر : أنت أمس كان أنطق منك اليوم ، وأنت اليوم أوعظ منك بالأمس.
من الديوان المنسوب لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
أضحت قبورهم من بعد عزّهم |
|
تسفي عليها الصبا والحرجف الشمل |