لا يدفعون هواها عن وجوههم |
|
كأنّهم خشب بالقاع منجدل |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا |
|
أين الأسرّة والتيجان والحلل؟ |
أين الوجوه التي كانت منعّمة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل؟ |
فأفصح القبر عنهم حين ساءله |
|
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
قال طال ما أكلوا دهراً وما شربوا |
|
فأصحبوا بعد طول الأكل قد اُكلوا (١) |
أجل ، من نظر إلى حقيقة الدنيا ، فإنّه يزهد فيها لا محالة.
ومن زهد طالب العلم أن لا يعجل للتصدّي إلى مسؤولية التدريس وإمامة الجماعة ، وما شابه ذلك ، بل لا يكون منه ذلك حتّى تكمل أهليّته ، ويظهر استحقاقه لذلك على صفحات وجهه ونفحات لسانه ، وتشهد له به صلحاء مشايخه وأساتذته. ففي الخبر الشريف : « المتتبّع لما لم يعطَ كلابس ثوبي زور » ، وقال بعض الفضلاء : من تصدّر قبل أوانه فقد تصدّى لهوانه ، وقال آخر : من طلب الرئاسة في غير حينه ، لم يزل في ذلّ ما بقي ، وأنشد بعضهم :
لا تطمحنّ إلى المراتب قبل أن |
|
تتكامل الأدوات والأسباب |
إنّ الثمار تمرّ قبل بلوغها |
|
طعماً وهنّ إذا بلغن عِذاب (٢) |
وقد شاهدنا في عصرنا هذا كم من أشخاص ادّعوا المرجعيّة قبل أوانها فذلّوا ، وكم تصدّى لتدريس درس الخارج وهو شابّ لم يبلغ الحلم في العلم والأدب فأهان نفسه ، وأصبح في خبر كان.
وكم من مرجع ورع تقي قد زهد في الرئاسة ، وفرّوا منها ، فأتتهم ذليلة
__________________
١ ـ آداب النفس : ١٠٠.
٢ ـ منية المريد : ١٧٩.