الأشياء كما هي ، ويكون بصره اليوم حديد ، ونافذ إلى عمق الأشياء وملكوتها ، فيكون يقظاً ومتنبّهاً بعد ما كان في سبات الغفلة ونوم السهو ، فإنّه بعد الموت يصحو ويتنبّه ، ويعبّر عنه باليقظة ، ويعدّ حقيقة الإنسان أو أوّل منازل السير والسلوك لمن أراد السير إلى الله سبحانه ، ولكن التنبّه واليقظة هذه إنّما هي اختيارية ، ويمكن للسالك أن يستيقظ في حياته الدنيوية ، ويشاهد ملكوت السماوات والأرض ، كما حدث ذلك لأنبياء الله وأوليائه وعباده الصالحين ، ومن هذا المنطلق ورد في الحديث الشريف : « موتوا قبل أن تموتوا » ، وهذا يعني أنّ الإنسان يمكنه أن يصل إلى حقيقته الإنسانية في حياته الدنيوية هذه ، ويدخل في منزل اليقظة ، ثمّ يسافر منها إلى منازل اُخرى ، فاُولى المنازل التوبة ، وإنّ الإنسان يتجلّى فيه اسم الله التوّاب ، فيتوب من القبائح لقبحها تقرّباً إلى الله سبحانه ، وطالب العلم لا بدّ له من حسن النيّة أوّلا ، لأنّ الأعمال إنّما هي بالنيّات ، فمن لم يكن لله عمله خالصاً فإنّه لا يفلح ولا يصعد الكلم إلى الله سبحانه ، إلاّ إذا كان طيّباً ، وهو العمل المخلص ـ كما ورد في الروايات ـ وبعد حسن النيّة عليه أن لا يعصي الله جلّ جلاله ، ويطهّر قلبه من أن يهمّ بالمعصية أو يخطر على ذهنه ذلك ، ويتّقِ الله حقّ تقاته ، فإنّ للتقوى مراحل ثلاثة :
١ ـ تقوى العامّ ، أي لعامّة الناس ، ومنهم طالب العلم ، وهي أن يأتي بالواجبات الشرعيّة ، ويترك المحرّمات والمعاصي.
٢ ـ تقوى الخاصّ ، بأن يترك الشبهات فضلا عن المحرّمات.
٣ ـ تقوى الخاصّ الخاصّ ، بأن يترك الحلال فضلا عن الشبهات ، كما يحدّثنا التأريخ بنماذج من علمائنا الأعلام حيث وصلوا إلى هذا المقام ونالوا العصمة الأفعالية الجزئية ، حيث من أوّل بلوغهم لم يرتكبوا المعصية ، بل لم يفكّروا بعمل