فلا بدّ من النشاط الدائم في تحصيل العلم ، والتفقّه في الدين ، قيل : تفقّهوا قبل أن تسوّدوا ، أي تصيروا سادة ، فتأنفوا من التعلّم او تستحيوا منه بسبب المنزلة ، فيفوتكم العلم. وقال آخر : تفقّه قبل أن تترأّس ، فإذا رئست فلا سبيل إلى التفقّه. وعن ابن عباس : ما اُوتي عالم علماً إلاّ وهو شابّ ، وقد نبّه الله تعالى ذلك بقوله :
(وَآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيَّاً) (١).
وهذا باعتبار الغالب ، وإلاّ فمن كبر لا ينبغي له أن يحجم عن الطلب ، فإنّ الفضل واسع والكرم وافر ، والله المعين ، وأبواب الرحمة مفتّحة ، وإذا كان المحلّ قابلا تمّت النعمة وحصل المطلوب ، والله سبحانه يقول :
(وَاتَّقوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (٢).
(وَلَمَّـا بَلَغَ أشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حَكْماً وَعِلـْماً) (٣).
وقد اشتغل جماعة من السلف في حال كبرهم حتّى فاقوا الشباب ، فتفقّهوا وصاروا أساطين في الدين وعلماء مصنّفين في الفقه وغيره ، فليغتنم العاقل عمره ، وليحرز شبابه عن التضييع ، فإنّ بقيّة العمر لا ثمن لها (٤).
فاطلب العلم من المهد إلى اللحد ، وليغتنم العاقل عمره الثمين ، وليحرز شبابه عن البطالة والتضييع.
وإذا رجعنا إلى سيرة فطاحل العلم وعباقرة الفنّ والأدب رأينا أنّ الغالب
__________________
١ ـ مريم : ١٢.
٢ ـ البقرة : ٢٨٢.
٣ ـ القصص : ١٤.
٤ ـ منية المريد : ٢٢٦.