إرضَ بالله صاحباً وذر الناس جانباً ، كفى بالله محبّاً وبالقرآن مؤنساً وبالموت واعظاً.
صم عن الدنيا واجعل فطرك الآخرة ، وفرّ من الناس فرارك من الأسد ، واتّخذ الله مؤنساً.
قال بعض الحكماء : إنّما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته وعدم الفضيلة من نفسه ، فيتكثّر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة عن نفسه بالكون معهم ، فإذا كانت ذاته فاضلة ونفسه كاملة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ، ويتفرّغ لاستخراج العلم والحكمة.
وفي بعض الآثار : وجدنا خير الدنيا والآخرة في الخلوة والقلّة ، وشرّهما في الكثرة والخلطة.
وفي بعضها : إذا أراد الله أن ينقل العبد من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة آنسه بالوحدة ، وأغناه بالقناعة ، وبصّره عيوب نفسه ، ومن اُعطي ذلك اُعطي خير الدارين.
ومن فوائد العزلة : السلامة من الآفات ، وترك النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها ، ومنع النفس من التطلّع إليها ومنافسة الناس عليها. قال الله تعالى :
(وَلا تُمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ) (١).
وإنّها خالعة عنك ذلّ الإحسان ، وقاطعة رقّ الأطماع ، ومفيدة عزّ الناس عن الناس ، ومن آثر العزلة حصل العزّ له ، ومعاشرة الأشرار تورث سوء الظنّ بالأخيار.
__________________
١ ـ طه : ١٣١.