العزلة تستر الفاقة ، وتكفّ جلباب التجمّل ، إنّها معينةٌ لمن أراد نظراً في علم ، أو إثارة لدفين رأي ، واستنباطاً لحكمة ، لأنّ شيئاً منها لا يتمّ إلاّ مع خلاء الذرع وفراغ القلب ، ومخالطة الناس ملغاة ومشغلة.
وقال بعض الحكماء : من الطيور من جعل راحته في اعتزال العمران ، وآثر المواضع النائيه عن الناس ، فليتشبّه به من أراد النظر في كتب الحكمة.
وقال بعض الأخيار : لا يتمكّن أحد من الخلوة إلاّ بالتمسّك بكتاب الله ، والمتمسّكون بكتاب الله هم الذين استراحوا من الدنيا بذكر الله ، الذاكرون الله بالله ، عاشوا بذكر الله وماتوا بذكر الله ، ولقوا الله بذكر الله.
وقيل لبعض العبّاد ، ما أصبرك على الوحدة! فقال : ما أنا وحدي ، أنا جليس الله جلّ وعزّ! إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه ، وإذا أردت أن اُناجيه صلّيت.
وكان بعضهم يلزم الدفاتر والمقابر ، فقيل له في ذلك ، فقال : لم أرَ أسلم من وحدة ، ولا صاحباً أوعظ من قبر ، ولا جليساً أمنع من دفتر.
كان بعض العارفين يقول : مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة. وكان يقول : من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه ، فليعتزل الناس ويستوحش من الأغنياء وليجانب السلطان كما يجانب الرجل السباع الضارية والهوام العادية.
وعن بعض الحكماء حين قيل له : لماذا رفضت الناس؟ فقال : لم أرَ إلاّ عدوّاً يداجيني بعداوته ، وصديقاً يعدّ عليّ معايبي في أيام صداقته.
وطالب العلم إنّما يستأنس بكتبه ، وإنّ الكتب بساتين العلماء.
وكتبك حولي لا تفارق مضجعي |
|
وفيها شفاء للذي أنا كاتم |
كأنّي سقيمٌ قد اُصيب فؤاده |
|
وهنّ حواليَّ الرقا والتمائم |