يكسر الأعراف والسنن التي كان عليها السلف الصالح في الحوزة العلمية المباركة ، وهناك من يكتفي بأشرطة التسجيل ـ قال بعض السلف : من تفقّه من بطون الكتب ضيّع الأحكام. وقال آخر : إيّاكم والصحفيّون الذين يأخذون علمهم من الصحف ، فإنّ ما يفسدون أكثر ممّـا يصلحون. وقد ورد في الخبر الشريف : « هلك من لم يكن له حكيمٌ يرشده » ، فكلّ طالب يحتاج في مقام التعلّم إلى اُستاذ ومعلّم ، لا سيّما في علم الأخلاق ، فإنّه بأمسّ الحاجة إلى مربٍّ خلوق ، وحكيم مرشد ، واُستاذ قدير ، صاحب الأنفاس القدسيّة ، التي أتعب نفسه في تهذيبها ومجاهدتها.
ثمّ قال الشهيد الثاني : وليحذر من التقييد بالمشهورين ـ كما نجد هذه الظاهرة في الحوزة في العصر الراهن ، أنّه يحضر الطالب عند من كان مشهوراً ويتقيّد بذلك ـ وترك الأخذ بالخاملين ، فإنّ ذلك من الكِبر على العلم ، وهو عين الحماقة ، لأنّ العلم ضالّة المؤمن ، يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها ، ويتقلّد المنّة ممّن ساقها إليها ، وربّما يكون الخامل ممّن تُرجى بركته ، فيكون النفع به أعمّ والتحصيل من جهته أتمّ.
وإذا سبرت أحوال السلف والخَلَف لم تجد النفع غالباً ، إلاّ إذا كان للشيخ من التقوى والنصح والشفقة للطلبة نصيب وآخر ، وكذلك إذا اعتبرت المصنّفات وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى أوفر ، والفلاح بالاشتغال به أكثر ، وبالعكس حال العالم المجرّد من التقوى والعمل الصالح ، وإنّما عنده من العلم بالمصطلحات يتبختر بها ، حتّى كاد أن يدّعي الربوبيّة ، لما يحمل من نفس فرعونية ـ والعياذ بالله ، ونجّانا الله من شرور أنفسنا الأمّارة بالسوء ـ.
« فينبغي لطالب العلم أن يختار الاُستاذ الأعلم والأورع والأسنّ ، وينبغي أن يشاور في طلب العلم ، أي علم يراد في المشي إلى تحصيله ، فإذا دخل المتعلّم إلى بلد