وهكذا حدث بالفعل ، فقد اختلف الصحابة فيما يعرفون وفيما لم يعرفوا ، وصارت الأعلبية الساحقة ضدّ عثمان ، والنزر القليل معه ، وبقي الاجتهاد والرأي هما الحاكمان لذهنية عثمان حتّى مقتله ، ذلك الاجتهاد الذي أثّر على جُلّ الفروع الفقهية إن لم نقل كلما ، حتّى انعكس على أمّهات المسائل وواضحاتها ، بل على أوضحها ، ألا وهو الوضوء.
وقد أخذنا هنا مفردة « وضوء النبي صلى الله عليه وآله » لنرى البعد الاجتهادي ومدى تأثيره على هذا الفرع الذي لا تُقبل الصلاة إلاّ به ، إذ كيف اختلف المسلمون فيه مع أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يؤديّه بمرأىً منهم على مدى ثلاث وعشرين سنة ؟ ومتى وقع الاختلاف فيه ؟ ومن أوقعه ؟ وما هي دواعي الاختلاف فيه ؟
فممّا لا شك فيه أنّ المسلمين في العهد النبوي كانوا تبعاً للنبي في كيفية الوضوء ، وهو وضوء واحدٌ لا غير ؛ فكيف صار المسلمون بين ماسح مُثَنٍّ وبين غاسل مثلّثٍ ؟! ـ إذ لا يخرق إجماعهم المركّب قول قائل بالجمع احتياطاً ، أو بالتخيير لتكافؤ الأدلة عنده لأنّها أقوال شاذة ـ وكلٌّ منهم يدّعي أنّ ذلك فعلُ النبي صلىاللهعليهوآله وأنّه الصواب وغيره الخطأ.
وعلى كلّ حال ، فإنَّ الوضوء في زمان النبي صلىاللهعليهوآله ممّا لم يكن ولم يصلنا فيه خلاف ، إذ النبي صلىاللهعليهوآله الأكرم ما زال بين أظهرهم.
وأمّا في زمن أبي بكر ـ على قصره ـ فلم نعهد فيه خلافاً وضوئياً ، ولو كان لبَان ، وذلك يدل على استقرار أمر الوضوء بين المسلمين في عهده ، وأنهم لم يزالوا متعبدين بوضوء النبي صلىاللهعليهوآله ، خصوصاً وأنّ نصّاً في الوضوء البياني لم يصلنا عن أبي بكر ، وهذا ممّا يؤكد عدم وجود خلاف فيه آنذاك.