فـ « الناس » المقصودون في أحاديث عثمان الوضوئية هم الصحابة الكبار أو هم امتداد لهم ، وهؤلاء كانوا معارضين لمنع التحديث والتدوين ، وهم من الذين يرون أنّ الأحكام توقيفية لا يمكن تجاوزها بالزيادة والنقصان ، فلا مجال للاجتهاد والرأي فيها خصوصاً مع وجود النص القرآني والسنة النبوية المباركة.
علماً بأنّ أصحاب المدوّنات كانوا من أتباع وأنصار الوضوء الثنائي المسحي ، أو أنهم لم يكونوا من أنصار الوضوء الثلاثي الغسلي على الأقلّ ، وهذه مسألة تؤكّد الترابط بين المدونين ونهج التعبد في الوضوء من جهة ، وبين مانعي التدوين وخط الاجتهاد والرأي في الوضوء من جهة أخرى ، حتّى أن عبدالله بن عمر ـ وهو ممن خالف اجتهادات أبيه عمر (١) ـ كان لا يرى المسح على الخفّين ، لأنّه كان قد سمع الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في أنّ المسح على الخفّين غير جائز ، وأنّ الوضوء لا يعدُّ وضوءاً مع المسح على الخفّين ، وأنّ سورة المائدة جاءت بالوضوء الذي يُمسح فيه على القدمين لا على الخفّين (٢) ، وهو وإن قيل عنه أنّه المهم هو ثبوت كونه من مانعي المسح على الخفّين في حياة أبيه ، فموقفه الوضوئي آنذاك لا يمكن التغاضي عنه مع ما صدر منه من مواقف في الدفاع عن كثير من الأحكام الثابتة ، ووقوفه ضدّ اجتهادات أبيه.
______________________________
(١) اُنظر منع تدوين الحديث ، لنا : ٢٥٦ ـ ٢٦٢.
(٢) مرّ عليك ذلك منقولاً عن مسند أحمد ١ : ٣٦٦.