ذكره لأن هذا هو المحصل من البحث في حالات الإنسان الأولية فالنظر في أمر المحسوسات والاشتغال بأمرها أقدم في عيشة الإنسان من التفكر في المعقولات والمعاني وأنحاء اعتبارها والتصرف فيها.
وإذا فرضت الولاية ـ وهي القرب الخاص ـ في الأمور المعنوية كان لازمها أن للولي ممن وليه ما ليس لغيره إلا بواسطته فكل ما كان من التصرف في شئون من وليه مما يجوز أن يخلفه فيه غيره فإنما يخلفه الولي لا غيره كولي الميت ، فإن التركة التي كان للميت أن يتصرف فيها بالملك فإن لوارثه الولي أن يتصرف فيها بولاية الوراثة ، وولي الصغير يتصرف بولايته في شئون الصغير المالية بتدبير أمره ، وولي النصرة له أن يتصرف في أمر المنصور من حيث تقويته في الدفاع ، والله سبحانه ولي عباده يدبر أمرهم في الدنيا والآخرة لا ولي غيره ، وهو ولي المؤمنين في تدبير أمر دينهم بالهداية والدعوة والتوفيق والنصرة وغير ذلك ، والنبي ولي المؤمنين من حيث إن له أن يحكم فيهم ولهم وعليهم بالتشريع والقضاء ، والحاكم ولي الناس بالحكم فيهم على مقدار سعة حكومته ، وعلى هذا القياس سائر موارد الولاية كولاية العتق والحلف والجوار والطلاق وابن العم ، وولاية الحب وولاية العهد وهكذا ، وقوله : « يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ » أي يجعلون أدبارهم تلي جهة الحرب وتدبر أمرها ، وقوله « تَوَلَّيْتُمْ » أي توليتم عن قبوله أي اتخذتم أنفسكم تلي جهة خلاف جهته بالإعراض عنه أو اتخذتم وجوهكم تلي خلاف جهته بالإعراض عنه ؛ فالمحصل من معنى الولاية في موارد استعمالها هو نحو من القرب يوجب نوعا من حق التصرف ومالكية التدبير.
وقد اشتمل قوله تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » « إلخ » من السياق على ما يدل على وحدة ما في معنى الولاية المذكورة فيه حيث تضمن العد في قوله : « اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » وأسند الجميع إلى قوله : « وَلِيُّكُمُ » وظاهره كون الولاية في الجميع بمعنى واحد. ويؤيد ذلك أيضا قوله في الآية التالية : « فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ » حيث يشعر أو يدل على كون المتولين جميعا حزبا لله لكونهم تحت ولايته ؛ فولاية الرسول والذين آمنوا إنما هو من سنخ ولاية الله.
وقد ذكر الله سبحانه لنفسه من الولاية ، الولاية التكوينية التي تصحح له التصرف في كل شيء وتدبير أمر الخلق بما شاء ، وكيف شاء قال تعالى : « (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ