ذكر الإثم في قوله : « اسْتَحَقَّا إِثْماً » بالبناء على ما تقدم في قوله : « إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ ».
وقوله تعالى : « فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما » أي إن عثر على أن الشاهدين استحقا بالكذب والخيانة فشاهدان آخران يقومان مقامهما في اليمين على شهادتهما عليهما بالكذب والخيانة.
وقوله : « مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ » في موضع الحال أي حال كون هذين الجديدين من الذين استحق عليهم أي أجرم وجنى عليهم الشاهدان الأولان اللذين هما الأوليان الأقربان بالميت من جهة الوصية كما ذكره الرازي في تفسيره ، والمراد بالذين استحق عليهم الأوليان أولياء الميت ، وحاصل المعنى أنه إن عثر على أن الشاهدين أجرما على أولياء الميت بالخيانة والكذب فيقوم شاهدان آخران من أولياء الميت الذين أجرم عليهم الشاهدان الأولان الأوليان بالموت قبل ظهور استحقاقهما الإثم.
هذا على قراءة « اسْتَحَقَّ » بالبناء للفاعل وهو قراءة عاصم على رواية حفص ، وأما على قراءة الجمهور « اسْتَحَقَّ » بضم التاء وكسر الحاء بالبناء للمفعول فظاهر السياق أن يكون الأوليان مبتدأ خبره قوله : « فَآخَرانِ يَقُومانِ » « إلخ » ، قدم عليه لتعلق العناية به ، والمعنى إن عثر على أنهما استحقا إثما فالأوليان بالميت هما آخران يقومان مقامهما من أوليائه المجرم عليهم.
وفي قراءة عاصم من طريق أبي بكر وحمزة وخلف ويعقوب « الأولين » جمع الأول مقابل الآخر ، وهو بظاهره بمعنى الأولياء والمقدمين ، وصف أو بدل من قوله : « الَّذِينَ ».
وقد ذكر المفسرون في تركيب أجزاء الآية وجوها كثيرة جدا لو ضرب بعضها في بعض للحصول على معنى تمام الآية ارتقت إلى مئين من الصور ، وقد ذكر الزجاج فيما نقل عنه : أنها أشكل آية في كتاب الله من حيث التركيب.
والذي أوردناه من المعنى هو الظاهر من سياق اللفظ من غير تعسف في الفهم ، وأضربنا عن استقصاء ما ذكروه من المحتملات لأن تكثيرها لا يزيد اللفظ إلا إبهاما ، ولا الباحث إلا حيرة (١).
__________________
(١) وعلى من يريد الاطلاع عليها أن يراجع الجزء السابع من تفسير روح المعاني للالوسي ومجمع البيان وتفسير الرازي وسائر المطولات.