وقد فرع على قوله : « (فَآخَرانِ يَقُومانِ) ، إلخ » تفريع الغاية على ذي الغاية قوله : « فَيُقْسِمانِ بِاللهِ » أي الشاهدان الآخران من أولياء الميت « لَشَهادَتُنا » بما يتضمن كذبهما وخيانتهما « أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما » أي من شهادة الشاهدين الأولين بما يدعيان من أمر الوصية « وَمَا اعْتَدَيْنا » عليهما بالشهادة على خلاف ما شهدا عليه « إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ».
قوله تعالى : « ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ » الآية في مقام بيان حكمة التشريع وهي أن هذا الحكم على الترتيب الذي قرره الله تعالى أحوط طريق إلى حيازة الواقع في المقام ، وأقرب من أن لا يجور الشاهدان في شهادتهما ويخافا من أن يتغير الأمر عليهما برد شهادتهما بعد قبولها.
فإن الإنسان ذو هوى يدعوه إلى التمتع بكل ما يسعه التمتع به والقبض على كل ما يتهوسه إذا لم يكن هناك مانع يصرفه عنه سواء كان ذلك منه عن حق يستحقه أو جورا ، عدلا أو ظلما وتعديا على غيره بإبطال حقه والغلبة عليه ، وإنما ينصرف الإنسان عن هذا التعدي والتجاوز إما لمانع يمنعه من خارج بسياسة أو عقوبة أو فضيحة ، وإما لرادع يردعه من نفسه ؛ وأقوى رادع نفساني هو الاعتقاد بالله الذي إليه مرجع العباد وحساب الأعمال والقضاء الفصل والجزاء المستوفى.
وإذا كان الواقع من أمر الوصية بحسب فرض المقام مجهولا لا طريق إلى كشفه إلا شهادة من أشهدهما الميت من الشاهدين فأقوى ما يقرب شهادتهما من الصدق أن يؤخذ في ذلك بأيمانهما بالله تعالى وهو اليمين ، وأن يرد اليمين إلى الورثة الأولياء مع يمينهما على تقدير انكشاف كذبهما وخيانتهما عند الورثة ، فهذان أعني يمينهما أولا ثم رد اليمين إلى الورثة أقرب وسيلة إلى صدقهما في شهادتهما وخوفهما فضيحة رد اليمين ، والرادعان أقوى ما يردعهما من الانحراف.
ثم عقب تعالى القول بالموعظة والإنذار فقال : « وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » والمعنى واضح.
قوله تعالى : « يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ » الآية لا تأبى الاتصال بما قبلها فإن ظاهر قوله تعالى في ذيل الآية السابقة : « وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا » ، إلخ وإن كان مطلقا لكنه بحسب الانطباق على المورد نهي عن