قال صاحب البرهان : قال ابن بابويه : يعني بذلك أنه من وراء آيات التوبيخ والوعيد آيات الرحمة والغفران.
أقول : وما نقله عن الصدوق رحمه الله في معنى قوله عليهالسلام : « القرآن كله تقريع وباطنه تقريب » لا ينطبق عليه لا بالنظر إلى صدر الرواية فإن كون معنى قول الرسل عليهالسلام : « لا عِلْمَ لَنا » أنه لا علم لنا بسواك غير مرتبط بكون القرآن مشتملا على نوعين من الآيات : آيات الوعد وآيات الوعيد.
ولا بالنظر إلى سياق نفس الجملة أعني قوله : « القرآن كله تقريع وباطنه تقريب » فإن الكلام ظاهر في أن القرآن كله تقريع وكله تقريب ، وإنما يختلف الأمر بحسب الباطن والظاهر فباطنه تقريب وظاهره تقريع ، لا أن القرآن منقسم إلى قسمين فقسم منه آيات التقريع ووراءه القسم الآخر وهو آيات التقريب.
والتأمل في كلامه عليهالسلام مع ملاحظة صدر الرواية يعطي أن مراده عليهالسلام من التقريع بالنظر إلى مقابلة التقريب لازم معناه وهو التبعيد المقابل للتقريب ، والقرآن كله معارف وحقائق فظاهره تبعيد الحقائق بعضها من بعض وتفصيل أجزائها ، وباطنه تقريب البعض من البعض وإحكامها وتوحيدها ، ويعود محصل المراد إلى أن القرآن بحسب ظاهره يعطي حقائق من المعارف مختلفة بعضها بائن منفصل من بعض لكنها على كثرتها وبينونتها وابتعاد بعضها من بعض بحسب الباطن يقترب بعضها من بعض وتلتئم شتى معانيها حتى تتحد حقيقة واحدة كالروح الساري في الجميع ، وليست إلا حقيقة التوحيد قال الله تعالى : « كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ » : هود : ١.
ويظهر حينئذ انطباقه على ما ذكره عليهالسلام في صدر الرواية أن معنى قول الرسل : « لا عِلْمَ لَنا » أن لا علم لنا بسواك فإن الإنسان أو أي عالم فرض إنما يعلم ما يعلم بالله بمعنى أن الله سبحانه هو المعلوم بذاته وغيره معلوم به ، وبعبارة أخرى إذا تعلق العلم بشيء فإنما يتعلق أولا بالله سبحانه على ما يليق بساحة قدسه وكبريائه ثم يتعلق من جهته بذلك الشيء لما أن الله سبحانه عنده علم كل شيء يرزق منه لمن يشاء من عباده على قدر ما يشاء كما قال تعالى : « (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ