ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا (٨) قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس (٩) هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان ـ ولكن ما هذا لمثل هؤلاء ـ (١٠) فقال يسوع اجعلوا الناس يتكئون ـ وكان في المكان عشب كثير فاتكأ الرجال ـ وعددهم نحو خمسة آلاف (١١) وأخذ يسوع الأرغفة وشكر ـ ووزع على التلاميذ والتلاميذ أعطوا المتكئين ـ وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا (١٢) فلما شبعوا قال لتلاميذه ـ أجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء (١٣) فجمعوا وملئوا اثنتي عشرة قفة من الكسر ـ من خمسة أرغفة الشعير التي فضلت عن الآكلين (١٤) فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع ـ قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم (١٥) وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ـ ليجعلوه ملكا انصرف أيضا إلى الجبل وحده ».
ثم إن التدبر في هذه القصة بما لها من سياق مسرود في كلامه تعالى يهدي إلى جهة أخرى من البحث فإن السؤال المذكور في أولها بظاهره خال عن رعاية الأدب والواجب حفظه في جنب الله سبحانه ، وقد انتهى الكلام إلى وعيد منه تعالى لمن يكفر بهذه الآية وعيدا لا يوجد له نظير في شيء من الآيات التي اختص الله سبحانه بها أنبياءه أو اقترحها أممهم عليهم كاقتراح أمم نوح وهود وصالح وشعيب وموسى ومحمد ص.
فهل كان ذلك لكون الحواريين وهم السائلون أساءوا الأدب في سؤالهم؟ لأن لفظهم لفظ من يشك في قدرة الله سبحانه ؛ ففي اقتراحات الأمم السابقة عليهم من الإهانة بمقام ربهم والسخرية والهزء بأنبيائهم وكذا ما توجد حكايته في القرآن من طواغيت قوم النبي صلىاللهعليهوآله واليهود المعاصرين له ما هو أوقح من ذلك وأشنع!.
أو أنهم لكونهم مؤمنين قبل السؤال والنزول لو كفروا بعد النزول ومشاهدة الآية الباهرة استحقوا هذا الوعيد على هذه الشدة؟ فالكفر بعد مشاهدة الآية الباهرة وإن كان عتوا وطغيانا كبيرا لكنه لا يختص بهم ، ففي سائر الأمم أمثال لهم في ذلك ولم يوعدوا بمثل هذا الوعيد قط حتى الذين ارتدوا منهم بعد التمكن في مقام القرب والتحقق بآيات الله سبحانه كالذي يذكره الله سبحانه في قوله : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ » : الأعراف : ١٧٥.