والذي يمكن أن يقال في المقام أن هذه القصة بما صدر به من السؤال يمتاز بمعنى يختص به من بين سائر معجزات الأنبياء التي أتوا بها لاقتراح من أممهم أو لضرورات أخر تدعو إلى ذلك.
وذلك أن الآيات المعجزة التي يقصها الكلام الإلهي إما آيات آتاها الله الأنبياء حين بعثهم لتكون حجة مؤيدة لنبوتهم أو رسالتهم كما أوتي موسى عليهالسلام اليد البيضاء والعصا ، وأوتي عيسى عليهالسلام إحياء الموتى وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص ، وأوتي محمد صلىاللهعليهوآله القرآن ، وهذه آيات أوتيت لحاجة الدعوة إلى الإيمان وإتمام الحجة على الكفار ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.
وإما آيات معجزة أتى بها الأنبياء والرسل لاقتراح الكفار عليهم كناقة صالح ، ويلحق بها المخوفات والمعذبات المستعملة في الدعوة كآيات موسى عليهالسلام على قوم فرعون من الجراد والقمل والضفادع وغير ذلك في سبع آيات ، وطوفان نوح ، ورجفة ثمود وصرصر عاد وغير ذلك ، وهذه أيضا آيات متعلقة بالمعاندين الجاحدين.
وإما آيات أراها الله المؤمنين لحاجة مستها ، وضرورة دعت إليها ، كانفجار العيون من الحجر ونزول المن والسلوى على بني إسرائيل في التيه ، ورفع الطور فوق رءوسهم وشق البحر لنجاتهم من فرعون وعمله ، فهذه آيات واقعة لإرهاب العاصين المستكبرين أو كرامة للمؤمنين لتتم كلمة الرحمة في حقهم من غير أن يكونوا قد اقترحوها.
ومن هذا الباب المواعيد التي وعدها الله في كتابه المؤمنين كرامة لرسوله صلىاللهعليهوآله كوعد فتح مكة ومقت المشركين من كفار قريش وغلبة الروم إلى غير ذلك.
فهذه أنواع الآيات المقتصة في القرآن والمذكورة في التعليم الإلهي ، وأما اقتراح الآية بعد نزول الآية فهو من التهوس يعده التعليم الإلهي من الهجر الذي لا يعبأ به كاقتراح أهل الكتاب أن ينزل النبي صلىاللهعليهوآله عليهم كتابا من السماء مع وجود القرآن بين أيديهم ، قال تعالى : « (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ـ إلى أن قال ـ لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) » : النساء : ١٦٦.