الإصغاء مقدور له ، ويقال : « لا يستطيع الغني أن يعطي كل سائل » أي مصلحة حفظ المال لا تقتضيه ، ويقال : « لا يمكن للعالم أن يبث كل ما يعلمه » أي يمنعه عن ذلك مصلحة الدين أو مصلحة الناس والنظام الدائر بينهم ، ويقول أحدنا لصاحبه : « هل تستطيع أن تروح معي إلى فلان »؟ وإنما السؤال عن الاستطاعة بحسب الحكمة والمصلحة لا بحسب أصل القدرة على الذهاب ، هذا.
وهناك وجوه أخرى ذكروها :
منها : أن هذا السؤال لأجل تحصيل الاطمئنان بإيمان العيان لا للشك في قدرة الله سبحانه فهو على حد قول إبراهيم (عليهالسلام) فيما حكى الله عنه : « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ».
وفيه : أن مجرد صحة أن تسأل الآية لزيادة الإيمان واطمئنان القلب لا يصحح حمل سؤالهم عليه ولم تثبت عصمتهم كإبراهيم (عليهالسلام) حتى تكون دليلا منفصلا يوجب حمل كلامهم على ما لا حزازة فيه بل الدليل على خلافه حيث لم يقولوا : نريد أن نأكل منها فتطمئن قلوبنا كما قال إبراهيم عليهالسلام : « بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » بل قالوا : « نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا » فعدوا الأكل بحيال نفسه غرضا.
على أن هذا الوجه إنما يستدعي تنزه قلوبهم عن شائبة الشك في قدرة الله سبحانه وأما حزازة ظاهر الكلام فعلى حالها.
على أنه قد تقدم في تفسير قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى » الخ : البقرة : ٢٦٠ أن مراده عليهالسلام لم يكن مشاهدة تلبس الموتى بالحياة بعد الموت كما عليه بناء هذا الوجه ولو كان كذلك لكان من قبيل طلب الآية بعد العيان وهو في مقام المشافهة مع ربه بل مراده مشاهدة كيفية الإحياء بالمعنى الذي تقدم بيانه.
ومنها : أنه سؤال عن الفعل دون القدرة عليه فعبر عنه بلازمه.
وفيه : أنه لا دليل عليه ، ولو سلم فإنه إنما ينفي عنهم الجهل بالقدرة المطلقة الإلهية وأما منافاة إطلاق اللفظ للأدب العبودي فعلى حالها.