ومنها : أن في الكلام حذفا تقديره : هل تستطيع سؤال ربك؟ ويدل عليه قراءة هل تستطيع ربك والمعنى : هل تستطيع أن تسأله من غير صارف يصرفك عن ذلك.
وفيه أن الحذف والتقدير لا يعيد لفظة « هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ » إلى قولنا هل تستطيع سؤال ربك بأي وجه فرض لمكان اختلاف الفعل في القراءتين بالغيبة والحضور ، والتقدير لا يحول الغيبة إلى الخطاب البتة ، وإن كان ولا بد فليقل : أنه من قبيل إسناد الفعل المنسوب إلى عيسى (عليهالسلام) إلى ربه من جهة أن فعله فعل الله أو أن كل ما له (عليهالسلام) فهو لله سبحانه ، وهذا الوجه مع كونه فاسدا من جهة أن الأنبياء والرسل إنما ينسب من أفعالهم إلى الله ما لا يستلزم نسبته إليه النقص والقصور في ساحته تعالى كالهداية والعلم ونحوهما ، وأما لوازم عبوديتهم وبشريتهم كالعجز والفقر والأكل والشرب ونحو ذلك فمما لا تستقيم نسبته إليه تعالى البتة فمشكلة ظاهر اللفظ على حالها.
ومنها : أن الاستطاعة هنا بمعنى الإطاعة والمعنى : هل يطيعك ربك ويجيب دعاءك إذا سألته ذلك ، وفيه : أنه من قبيل تبديل المشكل بما هو أشكل فإن الاستفهام عن إطاعة الله سبحانه لرسوله وانقياده له أشنع وأفظع من الاستفهام عن استطاعته.
وقد انتصر بعضهم لهذا الوجه فقال في تقريره ما محصله : أن الاستطاعة والإطاعة من مادة الطوع مقابل الكره فإطاعة الأمر فعله عن رضى واختيار ، والاستفعال في هذه المادة كالاستفعال في مادة الإجابة فإذا كان معنى استجابة : أجاب دعاءه أو سؤاله فمعنى استطاعة : أطاعه أي أنه انقاد له وصار في طوعه أو طوعا له ، والسين والتاء في المادتين على أشهر معانيهما وهو الطلب ، ولكنه طلب دخل على فعل محذوف دل عليه المذكور المترتب على المحذوف ، ومعنى استطاع الشيء : طلب وحاول أن يكون ذلك الشيء طوعا له فأطاعه وانقاد له ، ومعنى استجاب : سئل شيئا وطلب منه أن يجيب إليه فأجاب.
قال : فبهذا الشرح الدقيق تفهم صحة قول من قال من المفسرين : إن « يَسْتَطِيعُ » هنا بمعنى يطيع وإن معنى يطيع : يفعل مختارا راضيا غير كاره فصار حاصل معنى الجملة : هل يرضى ربك ويختار أن ينزل علينا مائدة من السماء إذا نحن سألناه أو سألته لنا ذلك ، انتهى.
وفيه أولا : أنه لم يأت بشيء دون أن قاس استطاع باستجاب ثم أعطى هذا